الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ طهارة الماء القليل المتمم كرا \الأدلة \
 كان الكلام في استدلال المشهور على أن الكر المساحتي هو مضروب 3.5 عمقا وطولا وعرضا وما يبلغ تكسيره 42.8 شبرا، وكنا نبحث في موثقة ابن مسلم وما فيها من كلام في السند حول احمد بن محمد وعثمان بن عيسى وأبي بصير.
 وقلنا أنه ليس لدينا مشكلة من جهة أحمد بن محمد وأنه أحمد بن محمد بن عيسى وليس أحمد بن محمد بن يحيى.
 أما بالنسبة لعثمان بن عيس الرواسي فهو عندنا ثقة، وهو ليس مثل علي بن أبي حمزة البطائني، يضاف إلى ذلك أن جماعة من العلماء قالوا: بالعمل بروايته. أصلا بعضهم يقول أنه هو نفسه من أصحاب الإجماع.
 في جميع الأحوال صحيح أن عثمان بن عيسى واقفي بل من عمدة الواقفية ( هو وزياد القندي و علي بن أبي حمزة البطائني )، لكنه ثقة ورواياته عندنا مقبولة.
 يبقى عندنا أبو بصير، والغريب هنا أن السيد الخوئي وبالرغم من أنه وثقه في كثير من الأبواب فقد ضعفه في باب الطهارة.
 على كل حال تراجع السيد الخوئي لاحقا وقال لا هو صحيح...
 إذا أبو بصير أما يراد به يحيى بن قاسم المكفوف وإما ليث المرادي، فكنية أبو بصير لا تطلق إلا عليهما، وكلا الرجلين ثقة.
 إذا لا يوجد مشكلة في السند من هذه الجهة ، وعليه فليس هناك من مشكلة في هذه الرواية من جهة السند.
 بل أكثر من ذلك، يقول البعض: إن عبد الله بن مسكان روى عن أبي بصير، وهو من أصحاب الإجماع وبالتالي لا يوجد حاجة في المقام للبحث عن أبي بصير وأنه ثقة أو ليس بثقة.
 لكننا بينا لكم سابقا أن المراد من قولنا " أصحاب الإجماع " أن العلماء قد أجمعوا على قبول روايات هؤلاء وأنهم محترمون وموثّقون لا أنه لا ينظر في سند الرواية حين دخولهم فيه.
 إذا لا يوجد مشكلة في السند.
 ثانيا : في الدلالة

  فالرواية تقول: " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء ".
 الإشكال في هذه الرواية من جهة الدلالة: أن هذه الموثقة لم تشتمل على الأبعاد الثلاثة وإنما ذكر العمق فيها، ولم تأتي على ذكر العرض والطول.
 وفي جواب هذا الإشكال

ذكر الشهيد الثاني في الروض: أن هذه الرواية ذكرت الأبعاد الثلاثة إلا أن أحدها وهو العمق لم يذكر تقديره.
 كيف؟ يقول لأنه حينما تقول الرواية " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف..." فعلى ماذا حملت الثلاثة أشبار ونصف الأولى والذي حملت الثلاثة أشبار الثانية على مثله؟
 فلا بد أنها حملت إحداها على الطول والأخرى على العرض، نعم لم تأتي الرواية على ذكر تقدير العمق!
 لكن هذا بعيد، لأن ذكر العمق حينئذ سيكون كلاما مستقلا، كلاما مستأنفا! فهل يمكن للإمام أن يذكر تحديد الطول والعرض ثم لا يذكر تحديد العمق هذا بعيد!
 الشيخ البهائي يأتي باحتمالات كثيرة عادة:

 يقول الشيخ البهائي رحمه الله: الرواية اشتملت على الأبعاد الثلاثة:
 أولا: بإعادة الضمير في مثله إلى ما يدل عليه قوله ثلاثة أشبار ونصف فتصبح الرواية على هذا النحو:
 " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله - أي طولا وعرضا -، - في- ثلاثة أشبار ونصف في عمقه"
 لكن هذا يحتاج إلى تقدير " في " بعد كلمة " مثله ". والأصل عدم التقدير.
 ثم هو يقول أن الضمائر ترجع إلى المقدار أي إلى الأشبار -، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نفهم عودة الضمير في " عمقه " إلى الأشبار، وما هو معنى " في عمق الأشبار ".
 وعليه فكلام الشيخ البهائي رحمه الله خلاف الأصل.
 أما صاحب الحدائق فيقول:

إن ظاهر الأصحاب قديما وحديثا الاتفاق على قبول هذه الرواية وتقدير البعد الثالث فيها لدلالة سوق الكلام عليه، وكان ذلك شائعا كثيرا في استعمالاتهم وجاريا دائما في محاوراتهم.
 نقول: لو قال ثلاثة في ثلاثة في ثلاثة أو ثلاثة في ثلاثة فقط نعم هو متعارف ويكون ما تذكرونه صحيحا. أما التعبير بغير هذا النحو كالذي جاء في الرواية فهو غير متعارف عندهم.
 وأما صحاب الجواهر

يذكر أنه عثر على نسخة مصححة مقروءة على المجلسي الكبير - المجلسي الأول تقول: " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله، في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه " نعم إذا كانت الرواية على هذا النحو ارتفع الإشكال.
 لكن هذه النسخة التي يقول صاحب الجواهر أنه عثر عليها وأنها قرأت على العلامة المجلسي:
 لم أرى أحدا ذكرها غير صاحب الجواهر حتى المجلسي الثاني لم يأتي على ذكرها.
 ثم إن ابن العلامة المجلسي المجلسي الثاني وجه دلالة هذه الرواية على خلاف ظاهرها، ولو كان هناك نسخة ثانية مصححة قرأت على والده لما احتاج إلى هذا التوجيه. فقد نقل عنه أنه قال أن الرواية فيها تعدد لخبر كان، وأن الثلاثة أشبار الثانية خبرا ثان لكان لا أنها بدلا لها.
 يقول: ثلاثة أشبار ونصف الأولى خبر أول لكان وثلاثة أشبار ونصف الثانية خبر ثان لكان وعندنا يجوز تعدد الخبر -.
 إذا وإن كان ما ذكره صاحب الجواهر يحل المشكلة لكننا لم نطمئن إلى وجود مثل هذه النسخة.
 أما حل المسألة:

 أحيانا يعبر عن عرض الشيء بالقطر قطر الماء - وقطر الماء عبارة عن سطح الماء أي مجموع الطول والعرض والمعروف عندهم أن الكر يكون مثل البئر مدورا وعندما يكون مدورا تكون جميع جهاته كبعضها البعض فلا يكون هناك طولا وعرضا، وإنما قطر الماء أي سعة سطحه. فعندما تقول إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف أي قطر الماء، أي سطح الماء.
 يوجد عندنا المحيط والمساحة وأنا راجعت المسألة في بعض الكتب القديمة فوجدت أن المحيط ثلاثة أضعاف القطر، مثلا قطر الماء هنا ثلاثة أشبار ونصف فيكون المحيط ثلاثة أضعافه فيكون عشرة أشبار ونصف.
 قالوا إذا أردنا معرفة المساحة فلا بد من ضرب نصف القطر بنصف المحيط ثم نضرب الحاصل المجموع بالعمق.
 فيكون قول الإمام " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف..." أي قطره ثلاثة أشبار ونصف في مثله، في عمقه أي في ثلاثة أشبار ونصف.
 فإذا أردنا احتساب المساحة هنا نضرب شبر وثلاثة أرباع في خمسة أشبار وربع في ثلاثة أشبار ونصف فيكون الحاصل: اثنين وثلاثين شبرا و وثمن الشبر وربع الثمن من الشبر.
 طبعا حينما يكون في الأبعاد كسرا فهناك قاعدة مذكورة لذلك، مثلا حينما تضرب نصف شبر بعشرة أشبار يكون الحاصل خمسة وإذا ضربت بها ربع شبر يكون الحاصل شبران ونصف وإذا ضربت ثمن... فقد ذكروا قاعدة لحساب الكسر.
 فإن قلت أن مثل هذا الاحتساب يحتاج إلى مهارة في علم الحساب وبالتالي لن يتمكن معظم الناس من معرفة الكر من احتساب المساحة حينئذ.
 نقول:
  أولا : حتى في هذه الصورة التي ذكرناها أي حينما تكون الأبعاد ما ذكرناه وليست أبعادا يكون حسابها معقدا فليس جميع الناس يحسنون احتساب مساحتها، إذا كل ما في القضية أن هذه أسهل من تلك.
 ثانيا : ليس غرض الإمام النتيجة وإن كانت النتيجة تحتاج إلى دقة، وإنما غرض الإمام بيان الشكل والمقدار فكل الناس يستطيع أن يعين هذا الشكل ثلاثة أشبار ونصف و ثلاثة أشبار ونصف وعليه فتحمل الرواية على هذا المعنى، لكن المشكلة أنه لم يذهب أحد من الفقهاء إلى هذا المعنى.