الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ طهارة الماء القليل بالكر\الأدلة \
 الأمر الثالث :
 أنه هل يشترط الامتزاج في تطهير الماء الكر للماء القليل أم يكفي فيه الاتصال فقط،
 ذهب جماعة من الأعلام إلى اعتبار الامتزاج، ونسبه الشيخ الأنصاري في طهارته إلى أكثر من تعرض لهذه المسألة، كالشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر والعلامة في بعض كتبه كالتذكرة ومنهم المصنف في الذكرى .
  قال في الذكرى: ( وطهر القليل بمطهر الكثير ممازجا ، فلو وصل بكر مماسة لم يطهر ، للتميز المقتضي لاختصاص كل بحكمه . ولو كان الملاقاة بعد الاتصال ولو بساقيه ، لم ينجس القليل مع مساواة السطحين ، أو علو الكثير كماء الحمام . ولو نبع الكثير من تحته - كالفوارة - فامتزج طهره ، لصيرورتهما واحدا . اما لو كان ترشحا لم يطهر ، لعدم الكثرة الفعلية ) [1] .
 إذا الشهيد رحمه الله في الذكرى اشترط لعدم انفعال القليل بالنجاسة حال امتزاجه بالكثير كون الكثير أعلى أو مساويا له، أما لو كان القليل فوق الكثير فإن كان الكثير فوارا ونبعا جاريا فلا ينفعل القليل بالملاقاة، وإن كان يرشح رشحا فينجس القليل بالملاقاة وكذلك الماء الممتزج به. طبعا ليس الكلام هنا في الماء الجاري وإنما في شرطية الامتزاج وعدمها.
 وذهب جماعة من الأعلام إلى الاكتفاء بمجرد الاتصال، منهم العلامة في التحرير والنهاية، والمحقق الكركي والشهيد الثاني والسيد محسن الحكيم والقاضي الأصفهاني رحمهم الله برحمته جميعا.
 قال والأقرب الاكتفاء بالاتحاد والاتصال، لماذا لأن مجرد الاتصال يؤدي إلى امتزاج أول أجزاء الكثير بأول أجزاء القليل، وهنا يقول العلامة: إذ مع الاتصال لا بد من اختلاط شيء من أجزاء الماء، فإما أن ينجّس الطاهر، وإما أن يطهّر النجس أو يبقيان على ما كان عليه، والأول والثالث خلاف ما أجمع عليه فتعين الثاني.
 إذا حصل امتزاج بين أول الكثير وأول القليل فهنا يأتي السؤال هل نحكم بطهارة الأجزاء الممازجة ونجاسة بقية الماء القليل مع أنهما ماء واحد؟ أم نحكم بطهارتهما معا؟ أم نحكم بنجاستهما معا؟
 أما نجاسة الجميع فهو أمر لا يعقل أن يقول به أحد لأنه من المتسالم عليه بين جميع الفقهاء أن الكر إذا لاقى القليل مع الامتزاج طهره، وهنا حصل الامتزاج بين أجزاء من الماء القليل إذا حتما هذا الشق الممازج للكثير هو طاهر، إذا لا يمكن القول بنجاسة الجميع.
 أو نقول لا بعضه طاهر وبعضه نجس، ولماذا استبعاد ذلك فالذي اختلط طهر والباقي نجس، وقالوا في الجواب أنه لا يمكن ذلك لأنه عندنا قاعدة فقهية تقول أن كل ماء قليل في سطح واحد حكمه واحد إما طاهر جميعه وإما نجس جميعه إما طاهر وإما نجس أما بعضه طاهر وبعضه نجس يقول ما عندنا ذلك.
 أنا بحثت عن هذه القاعدة فوجدت أن الدليل عليها هو الإجماع ، طبعا البعض ناقش في هذه القاعدة ورفضها، حيث قال أنه لا يوجد أي دليل عقلي أو شرعي يمنع من وجود حكمين لماء واحد، فلتكن كالماء الجاري إذ سيأتي أن الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة ينجس المتغير ويبقى ما سواه على الطهارة فلماذا تستبعدون مثل هذا الحكم الغير مستبعد لا عقلا ولا شرعا، أما عقلا فأين يمكن للعقل إدراك ملاكات الأحكام، فمثلا يستحب تقبيل بعض الأحجار كالحجر الأسود وبعضها يرمى وبعضها يستحب وطأه العقل لا يدرك ملاكات الأحكام، أما شرعا فعندنا موجود أن الكر قد يطهر بعضه وينجس بعضه الآخر.
 أنا لا أريد أن أقول هكذا أفرض أن القاعدة موجودة، ولكن دليلها ماذا دليل لبي " التسالم " وهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، والقدر المتيقن فيما لو كان الماء مختلط بعضه مع بعض وهذا الذي لا يختلف فيه من حيث الطهارة والنجاسة أما إذا لم يختلط لا تجري هذه القاعدة فيه، نعم عندنا دليل آخر غير هذه القاعدة حيث يوجد رواية هي دليل على أنه لا يشترط الامتزاج بالتطهير، ولكن الكلام لو كنا فقط وهذا الدليل " دليل الإجماع ".
 أقول: لا أريد القول بضرس قاطع إذا ألقيت كر دفعة واحد على ماء قليل بمقدار إبريق مثلا، إنصافا الامتزاج يحصل عادة، النقاش في ما لو لم يحصل امتزاج أما لو قلت شيخنا لماذا فرضت هذا؟ أفرض أنه لم يحصل الامتزاج فكان الماء القليل مثلا أقل من كر بقليل والماء الكثير كر ليس أكثر فقد لا يحصل الامتزاج وإن كنا نستبعد عدم الامتزاج لكن فلنفرض ذلك وأنه لم يحصل الامتزاج ماذا نفعل مقتضى هذا الدليل أنه إذا لم يحصل الامتزاج لا بد من الحكم بالنجاسة لأنه لا يوجد دليل على الطهارة فقد اشترط الامتزاج وهو غير حاصل فلا بد أن نذهب إلى النجاسة. هذا إذا اشترطنا الامتزاج وإلا فنحن أولا لم نشترط الامتزاج وثانيا إذا أتممناه بكر فشيء آخر) الكلام إذا اشترطنا الامتزاج ولا بد من إلقاء كر الكلام بهذه المسألة هنا على هذا المبنى لا بد أن نقول بالنجاسة .
 الوجه الثاني : في تقرير الدليل الأول
 قالوا عموم مطهرية الماء فإنه بعمومه يشمل الكر الملقى دفعة على الماء القليل. ، وهذه الإطلاقات والعمومات تشمل هذه الصورة،
 ويرد عليه
 في مبحث المطلق والمقيد قلنا بشكل عام: إن الإطلاق ليس بوضع وإنما هو من مقدمات الحكمة وهناك إطلاق مقامي وإطلاق أحوالي وإذا كان عادة هناك إطلاق في الكلام لا يكون من جهات فإطلاقات أدلة مطهرية الماء تدل على أن الماء مطهر أم أنه مطهر في الحالة الكذائية كما لو ألقيت كرا دفعة واحدة على الماء القليل فهذا يحتاج إلى دليل ولا يمكن التمسك هنا بإطلاق مطهرية الماء. لأن الروايات وردت في بيان أصل مطهرية الماء وأن الماء يطهر لكنها ليست في صدد بيان الكيفية، وليست الكيفية أمر عرفي حتى تقول شيخنا لا يحتاج إلى بيان الكيفية لأن الشارع اكتفى بفهم العرف، وعليه هذه الروايات الواردة والآيات في أن الماء طاهر هي تبين أن كل ماء يطهر صحيح أما أنه كيف يطهر مثلا يحتاج مرتين يحتاج إلى العصر أن يكون التطهير فوق وتحت ووارد ومورود وأنه يجب الامتزاج أو لا يجب فالروايات ساكتة من هذه الجهة وعليه فإذا كان الأمر كذلك فحينئذ كيف تقولون في هذه الصورة بأن إطلاق مطهرية الماء تشمل هذه الكيفية
 وفي الجواب: على هذا الإشكال يمكن أن يقال أن القدر المتيقن منها هو ما لو وصل الماء وامتزج هذا القدر المتيقن، أفرض ليس هناك إطلاق لكن القدر المتيقن أنه إذا حصل امتزاج، نقول ممكن للامتزاج أن يحصل هنا كما قلنا لأنه عادة غالبا ما أقول دائما ممكن أن يكون دائما عادة إذا ألقيت كر من الماء على شيء قليل يحصل الامتزاج وعليه فيكون قدر متيقن فلا يشكل حينئذ بهذا الإشكال.
 الوجه الثالث : في تقرير الدليل
 ما أرسله في محكي المختلف عن بعض العلماء عن أبي جعفر عليه السلام مشيرا إلى غدير من الماء قال: ( إن هذا لا يصيب شيئا إلا وطهره) [2] .
 والنقاش فيها من جهتين : من جهة السند ومن جهة الدلالة
 أما سندا : العلامة في المختلف حكاه عن بعض العلماء أخذه عن المستدرك مستدرك الوسائل للمحدث النوري رحمه الله برحمته الواسعة، يعني ببنائك صاحب الوسائل ما رأى هذه الروايات رآها لكن لم يكن عنده طريق صحيح إليها لم تثبت هذه الروايات عنده لذا صاحب الوسائل ما ذكرها ومن هنا فإن أغلب روايات المستدرك لا نقول جميعها ضعيفة السند،
 أما دلالة
 لو تمت الرواية سندا فهي تشمل موردنا فهي إنصافا لا بأس بها، لكن هذه الرواية لا يمكن العمل بها.
 الوجه الرابع :
 قالوا نستدل على مطهرية الماء القليل بإلقاء الكر عليه بأخبار ماء الحمام، كيف؟ على هذا النحو: الحمام عادة يكون فيه حياض صغيرة متصلة بالمادة يكون هناك حوض كبير على السطح أو ما شاكل، والروايات دلت على أن ماء الحمام يطهر وهي عامة أي يطهر كل شيء، هذا إذا ألغينا خصوصية الحمام فهل يمكن إلغاء هذه الخصوصية، أولا فلنذكر بعض الروايات الواردة في الحمام سواء كانت ضعيفة أو غير ضعيفة لنرى كيفية الاستدلال بها.
 منها: خبر ابن أبي يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( قلت: أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي والنصراني والمجوسي فقال: إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا ) [3] .
 الشاهد في الرواية أن ماء الحمام مطهر لأن له مادة معتصم فنقول بعد إلغاء خصوصية ماء الحمام، فالمناط هو ما له مادة ، إذا فالماء القليل إذا اتصل بالكر فالمفروض الماء القليل متصل بالمادة (فقد ألغينا خصوصية ماء الحمام لأن ماء الحمام إنما يطهر لأن له مادة والماء القليل هنا متصل بالمعتصم أي له مادة.
 لكن بعضهم احتمل احتمالا في قوله عليه السلام: أن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا. فقال: إن ماء الحمام دافع للنجاسة وليس رافعا لها أي أن ماء الحمام يعصم بعضه بعضا فيمنع حصول النجاسة لا أنه يرفع النجاسة بعد حصولها ليكون الماء الكثير مطهرا للماء القليل، بعضه يجعل البعض الآخر معصوما فيمنع النجاسة والانفعال لا أنه يرفع الانفعال، فهذه الرواية واردة بالدفع لا بالرفع.
 هذا الكلام ليس في محله فالفهم العرفي لعبارة ماء الحمام " يطهر بعضه بعضا". يطهره يعني يرفع النجاسة، إنصافا هي ظاهرة بالرفع لكنها ضعيفة أولا وثانيا: نحن نقبل بأن الروايات الواردة تدل على أن ماء الحمام يطهر لأن له مادة لكن الكلام أين؟ سوف يأتي في باب الحمام أنه يشترط في الماء أن تكون كر أو لا يشترط ذلك وما أشبه ذلك لكن على العموم روايات ماء الحمام لا بأس بها بشكل عام.
 الوجه الخامس:
 هو أحسن وجوه تقرير الدليل الأول أي تطهير الماء القليل بإلقاء كر وهذا ما نتركه للغد إن شاء الله
 
 
 
 


[1] ذكرى الشيعة ج 1 ص85
[2] - المستدرك باب 9 من أبواب الماء المطلق ح8
[3] - الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق ح7