درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

36/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم


موضوع: الجهة الثانية: في انّه هل الاشتراك ممتنع، او واجب، او ممكن؟ اقوال:
فالاجود: تقرير الوجوه المحتملة في الباب، وَفق الآراء المطروحة في مبحث التدليل والتمعني(الوضع)؛ لانّه لعلّ کلّما اختير من الآراء هناک يقتضي وجهاً هنا يناسبه. وقد مرّ منّا هاهنا دراسة مشبعة في حقيقة التدليل و«التمعني» فقررنا وقوّمنا الآراء المختلفة فيه، من : الاوّل ماقال به الحکماء (النظرية الوجودية)، والثاني النظرية المشهورة التقليدية للاصوليين (تخصيص اللفظ بالمعني)، والثّالث نظرية المحقق الخراساني(نظرية الاختصاص)، والرابع نظرية المحقق النائيني، والخامس نظرية المحقق الإصفهاني(نظرية الرمز)، والسادس نظرية المحقّق النهاوندي (الملازمة بين اللفظ والمعني)، والسّابع نظرية المحقق العراقي (الاعتبار غيرالمحض)، والثامن نظرية المحقق الخوئي(نظرية التعهّد)، والتاسع نظرية الشهيد الصدر(نظرية الاقتران)، والعاشر النظرية العلامية، التي ذهب إليها بعض الاعلام من المعاصرين،  والواحد عشر النظرية التنزيليّة او «الهوهوية الاعتبارية». ثم اقترحنا الرأي المختار حسَب اتجاهين. ثم المحنا، في ذکر تطبيقات البحث و ثمراته المنهجية في عملية الاستنباط، الي ظهور ثمرة البحث في مبحث «استحالة الاشتراک و امکانه»، ومبحث «جواز استعمال اللفظ في اکثر من معني وعدمه». والآن قدجاء وعد اُوليهما. ولکنّ بما انّه لاطائل للتطويل في الباب، فنجتزء بذکر قليل ممّا قيل فيه ونُرکّز في تقويمه فحسب، فنقول:
قال في الکفاية: «الحق وقوع الاشتراك، للنقل والتبادر، وعدم صحة السلب، بالنسبة إلى معنيين أو أكثر للفظ واحد. وأنّ أحاله بعضٍ، لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن، لمنع الإِخلال أولاً، لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة، ومنع كونه مخلاً بالحكمة ثانياً، لتعلق الغرض بالإِجمال أحياناً، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهّم، لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والإِجمال في المقال، لو لا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شإنّه، كما لا يخفى، وذلك لعدم لزوم التطويل، فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتي به لغرض آخر، ومنع كون الإِجمال غير لائق بكلامه تعالى، مع كونه مما يتعلق به الغرض، وإلاّ لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريم، بوقوعه فيه قال الله تعالى (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)».[1]
فعندنا فيما افاده(قدّه) ملاحظات متواضعة:
منها: انّه لادليل علي حجّية قول اللغوي(النقل) بالذّات، مالم يحصل منه اطمئنان عقلائي. علي انّ بينهم تضاد شاسع وواسع: بين القول بمجازية معاني کل المفردات اللغوية وبين القول بحقيقية کلّها.
ومنها: انّه ينبغي اخذ التبادر هيهنا، بمعني «انصراف الذهن عند اطلاق بعض الالفاظ الي معان مختلفة بنحو سواء »؛ لانّ التبادر الحقيقي والمراد منه «استباق المعني الي الذّهن من حاقّ اللفظ»، لايتيسّر الا في معني واحد، فيعدّ ذلک المتبادر معني حقيقياً کان ماکان(وهذا هو مقتضي دلالة کلمة التبادر لغة ايضاً)؛ فهو يناقض الاشتراک.
ومنها: انّ «النقل» و«التبادر» و«عدم صحةِ السلب» لاتُثبت وضع الالفاظ لمعان مختلفة بنحو تعييني ودفعةً، بل تنسجم مع وقوعه بنحو تعيني وعَبر الدهور والعصور.
هذا ونقول: ادلّ من الثلاثة عملُ ابناء اللغات المختلفة من استعمالهم بعض الالفاظ في معان متعدّة، بلاقرينةٍ، وبنحو سواء (اي: من دون فرق بين تلک المعاني من جهة الاستعمال والدلالة). وهذا واضح لمن له اقلّ اطلاع علي اللغات ومحاورات اصحابها اليومية؛ وکما قيل: ادلّ دليل علي امکان شيئ وقوعه؛ فلهذا نسمّيه بدليل الواقع الاجتماعي العتيد.


[1] کفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص35.