درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: يمکن الإستدلال علي المختار في لغة الدين بطرق شتّي:

الأوّل أنه:
إن عُدنا إلي وجداننا، بعد المرور علي النصوص الدينية ـ لاأقلّ الإسلامية منها ـ لاحظنا أنّ البِنية الارتباطية الدّلالية والأساليب البلاغيّة البيانية الّتي استخدمتها تلک النصوص في مستواها التخاطبية العامّة، هي نفس البِنية والأساليب المستخدَمة من جانب العقلاء في محاوراتهم اليومية، طابق النعل بالنعل، و من دون فرق فارق؛ و على الرّغم من أنّ بعض ادّعاءات النظريات المنافسة وشواهدها، يمكن أن تصدُق فقط بنحو القضية الموجبة الجزئية، لكنّنا نُدركُ بالوجدان الجليّ، قبول القسم الأغلب من النّصوص الدينيّة للخصائص الّتي ذکرناها للغة المحاورة.
والثاني أنه:
1. بما أنّ النصوص الدينيّة، قد جاءت من جانب البارئ الحکيم لأجل هداية الإنسان إلي المقصد المقصود.
2. إن کانت تلک النصوص غيرَ حاکية وغيرَ کاشفة يلزم نقضُ الغرض واللَّغْويةُ.
3. الفعلُ والقول اللَّـغْوي قبيح عن الحكيم المتعال سبحانه.
وعليه، فقد نزل الدّين بلغةٍ عامّة الفهم، وهي اللغة المحاورية العقلائية ذاك.
والثالث أنه:
1. لا شك بترتّب العقاب والثواب على عمل الإنسان وقوله لأنه مسؤول من قِبَل الله.
2. ما لم تُبيَّن المشيئة التشريعية الإلهية بنحو معقول وسريعِ النَّيل، لا يصلُ بيانُ أمرهِ ونهيهِ إلى العباد.
3. العقاب بلا بيان قبيح.
4. القبيح بعيدٌ عن السُّبحان.
وعليه، فَينبغي أن تکون لغةُ النّصوص الدينية عامّة الفهم وعقلائية.
و الرّابع:
إضافة إلي التمسّك بالحکمة الإليٰهية کما أسلفنا، بالإمكان التمسّك بکلّ من «العدل الإلهي» و«الرّحمة الرّبوبية» و«قاعدة اللطف» أيضاً، لإثبات الهوية العقلائية للغة الدين؛ ذلك أنّ صعوبة تحصيل المقولات الدينية أو عدمَ حكايتها هو خلاف العدل والرحمة واللُّطف. يمکن تقرير هذه الفِقرة في قالب ثلاثة أدلّة مستقلّة، وهذا واضح للبيب المتامّل.
والخامس:
الشّواهدُ القرآنيّة على النظريّة المختارة: يمکن إقامة کثير من الشواهد القرآنية علي المختار بمثل ما يأتي:
1. آياتٌ كالآيات التّالية تردُّ القول بعدم واقعويّة لغة القرآن وبتبعه لغة الدّين:
«لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه».[1]
«وبالحق أنزلناه وبالحق نزل».[2]
«ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك».[3]
«إنه لقول فصل وما هو بالهزل».[4]
کما أنّ تصنيف الآيات القرآنية علي القسمين: المحکم والمتشابة، وأيضاً الحاق الروايات بها من هذه الجهة، نفسه دليل علي قابلية النصوص القدسية للفهم.
2. في آياتٍ عديدة، عُدَّت للقرآن أهداف، من قبيل:
الهدايةِ، کقوله: «يريد اللهُ ليبينَ لکمْ ويهديکم سُنن الذين من قبلکم ويتوبَ عليکم واللهُ عليمٌ حکيمٌ».[5]
والتذكّر، ورفعِ الغفلة، كقوله: «ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر».[6]
والتعقل وحصول المعرفة، كقوله: «إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون»[7] و «إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون».[8] وهکذا. فهل تُنالُ هذه الغايات باللغة غيرالواقعية وغيرالحاکية التي تفتقد المعني و تفتقد المعرفوية ؟ حاشا و کلّاٰ!
3. تُبطل آياتٌ كالآيات التالية مقالة الرمزيّةِ والشعرية، والأسطورية في لغة القرآن و کلمات الرّسول(ص):
«أم يقولون شاعر نتربّص به ريب المنون».[9]
«وما علّمناه الشعر وما ينبغي له».[10]
«ومنهم من يستمعُ إليك... يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين».[11]
«وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقُلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين».[12]
«وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين».[13]
«وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلاً».[14]
«لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبلُ إنْ هذا إلاّ أساطير الأولين».[15]
«إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين».[16]
«ويلٌ يؤمئذٍ للمكذّبين... إذا تتلىٰ عليه آياتُنا قال أساطير الأولين».[17] [18]
4. الأسماء والأوصاف التي أُطلقت على القرآن في آياته الکريمة، تحكي جميعُها عن البلاغة والوضوح والدلالية؛ أوصاف نظير:
الَبيّنة والهدى:
«أو تقولوا لو أنّا أُنزلُ علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلمُ ممن كذّب بآيات الله.. ».[19]
النور والمبين:
«يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّنُ لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين».[20]
البصائر:
«وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما اتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربِّكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».[21]
البيان:
«هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتّقين».[22]
التبيان:
«ويوم نبعث في كلِّ أمّةٍ شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة وبشرى للمسلمين».[23]
الفرقان:
«شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى النّاس وبيّنات من الهدى والفرقان».[24]
«وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام».[25]
«تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً».[26]
البلاغ:
«هذا بلاغ للناس وليُنذروا به وليعلَموا أنما هو إله واحد وليذّكر أولو الألباب»[27]
التذكرة:
«إلاّ تذكرة لمن يخشى»[28] [29]
الذّكر:
«إنا نحنُ نزّلنا الذكْر وإنا له لحافظون» [30]
«وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون»[31]
اليُسر:
«ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر»[32]
و أوصاف عديدة أُخرى.


[1]فصلت/سوره41، آیه42.
[2]اسراء/سوره17، آیه5.
[3]آل عمران/سوره3، آیه44.
[4]طارق/سوره86، آیه14.
[5] نساء/سوره4، آیه26.
[6]قمر/سوره54، آیه17.
[7]یوسف/سوره12، آیه2.
[8]زخرف/سوره43، آیه3.
[9]طور/سوره52، آیه30.
[10]یس/سوره36، آیه69.
[11]انعام/سوره6، آیه25.
[12]انفال/سوره8، آیه31.
[13]نحل/سوره16، آیه24.
[14]فرقان/سوره25، آیه5.
[15]نمل/سوره27، آیه68.
[16]قلم/سوره68، آیه15.
[17]مطففین/سوره83، آیه10.
[18]مطففین/سوره83، آیه13.
[19]انعام/سوره6، آیه157.
[20]مائده/سوره5، آیه15.
[21]اعراف/سوره7، آیه203.
[22]آل عمران/سوره3، آیه138.
[23]نحل/سوره16، آیه89.
[24]بقره/سوره2، آیه185.
[25]آل عمران/سوره3، آیه4.
[26]فرقان/سوره25، آیه1.
[27]ابراهیم/سوره14، آیه52.
[28]طه/سوره20، آیه30.
[29]حاقه/سوره69، آیه48.
[30]حجر/سوره15، آیه9.
[31]نحل/سوره16، آیه44.
[32]قمر/سوره54، آیه17.