درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الإستعمال و التفهيم وفيه ثلاثة فروع:

تمهيد) الهويّة المعرفيّة للمسئلة و موقعُها الصّالح في هندسة علم الأصول وفلسفة الأصول.
مرّ منا اقتراح تنسيق مباحث الألفاظ في أربعة مباحث بمثل مايلي :
المحور الأوّل: التدليل و«التمعني»، وهو يتضمّن الحديث عن مسائل الوضع وتکوّن العلاقة الدّلاليّة اللفظيّة.
و المحور الثّاني: الدّلالة و«التفهّـم»، وهو يتضمّن الحديث عن مسائل ظاهرة الدّلالة والتفهّـم في ضوء استخدام العلاقة الدّلاليّة.
و المحور الثّالث: الإستعمال و«التفهيم» وهو يتضمّن الحديث عن مسائل استخدام العلاقة الدلالية.
و المحور الرّابع: ويلحق بتلک الثلاثة البحث عن لغة الدّين کمحور مستقل.
فباحثنا عن الأول والثّاني في­ما مرّ، فقد وصلت النوبة بالبحث عن الثالث، وهو الجهات الصّالحة للدّراسة في الإستعمال و التفهيم، فنشرع بالبحث عنها، بعون الله الهادي الموفِّق.
فنقول: لم يضع أصحاب الأصول للبحث عن الإستعمال باباً مستقلا رغم خطورة مسائله وکثرتها، غير الشهيد الصدر قال (قد) في البحوث‏: «علاقة اللفظ اللغوية بالمعنى في مجال الاستخدام اللغوي للألفاظ لها جانبان: أحدهما: جانبها المرتبط بالسامع، و يعبر عن هذه العلاقة بالدلالة لأن محصل علاقة اللفظ بالمعنى عند السامع ان تصور أحدهما يوجب الانتقال إلى تصور الآخر. و الآخر جانبها المرتبط بالمتكلم و يعبر عن هذه العلاقة بالاستعمال بمعنى ان المتكلم يستعمل اللفظ في المعنى و يتخذه أداة لتفهيمه...».[1] وهذا ما تذهب إليه الدراسات اللغوية المعاصرة في موضوع اللدلالة (سمانتيک)، بل تعرّض الأصوليّون له في مواطن مختلفة إستطراداً و تطفّلاً، کمباحث الوضع، والحقيقة والمجاز، والإشتراک، وإستعمال اللفظ في أکثر من معنی واحد. والأفضل جعل باب مستقل للبحث المشبع عن ظروف القول والإستعمالات المقتضيةِ ؛ ولکن نحن نکتفي هناک بالبحث عن ثلاثه امور رئيسة حسْب، ذيل فروع، کما يأتي ونحوّل التفصيل إلی محلّه :
الأوّل: حقيقة الإستعمال وکيفيته .
الثاني: مقوِّمات الإستعمال و مبرّراته .
الثّالث: أنواع إستعمالات اللفظ: من الإشتراک، والترادف، والتجوّز، وغيرها...؟

الفرع الأوّل: ماهي حقيقة الإستعمال وکيفيته؟
فأمّا البحث عن حقيقة الإستعمال وکيفيته (فيشتمل علی: بيان معنی الإستعمال في اللغة والإصطلاح /تقرير الآراء في حقيقة الإستعمال و تقويمها /المنهحة المقترحة للبحث عن حقيقة الإستعمال والتفهيم/بيان الرأي المختار فيها.):
يطلق الإستعمال في اللغة علی معان شتّی: قديقال: إستعملته، اي جعلته عاملاً، وإستعملته، اي طلبت منه أن يعمل، واستعملت الثوب ونحوه، اي أعملته فيما أُعِدّ له. (الصحاح 5: 1775؛ لسان العرب 1: 2765؛ المصباح المنير: 430؛ القاموس المحيط: 953) الأوّل والثاني يرجعان إلی نفس طلب العمل من ذوي العقول والثالث حيث يتوجه الی غيرذوي العقول، يرجع الی الأعمال؛ ضرورة عدم تعقل توجه الطلب إليه.
الإستعمال في الإصطلاح بمعنی اطلاق اللفظ لإفادة المعنی وتفهيمه (تنظر: التحبير شرح التحرير1: 290؛ درر الفوائد للحائري1ـ2 :43) وهذا يناسب المعنی الثالث من معانيه اللغويّة.
و في حقيقة الإستعمال و کيفيّته قولان رئيسان: الأوّل: جعل اللفظ علامة للمعنی وآلةً له مع التحفَظ علی وجوده المستقل عنه، والثاني: جعل اللفظ فانياً و مندکّاً في المعنی فناء المرآة في المرئيّ، وقالباً ووجهاً وعنواناً له إلی غير ذلک من التعابير؛ فالمعنی هو الملحوظ أوّلاً وبالذات، و اللفظ يکون ملحوظاً بتبعه؛ وهذ هو القول المشهور. فذهب إلی الأوّل جم قفير من المحققين والأعاظم، کالخراساني (کفاية الأصول:ص36) والعراقي (نهاية الافکار1ـ2:ص61) والنائيني(أجود التقريرات1: ص44ـ45 و76) والإصفهاني(نهاية الدراية1:ص152و156) وغيرهم. ومالا إلی الثاني، العلمين العظيمين السيّد الخوئي(محاضرات في أصول الفقه 1:ص98) و الإمام الخميني(مناهج الوصول1:ص183) قدس الله سرّهما وبعض من تأخّر عنهما(کالخرْازي في عمدة الأصول: ج1، ص473).



[1] بحوث فى علم الاصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج1، ص131.