درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في معاني الهيآت الإفراديّه، وفيه ثلاثة فروع.
الفرع الأوّل) في هيأة الفعل.
تقدمة تذکّرية: في أقسام مايتعلّق به الـوضع: يمکن تقسيم متعلّق الوضع إلی انواع شتّی، ولکن نحن نجتزِءُ بذکر نوع منها فحسب، ونترک الأشکال الأخری، احترازاً عن التطويل.
فنقول: الوضع تارةً يتعلّق بالمادّة وأخری بالهيأة؛ والمراد من الهيأة هو الصّورة الخاصّة الّتی تتشکّل: إمّا من الحروف أو الکلمات؛ فالهيئآت تکون علی قسمين: الإفراديّة، وهي ما تترکّب من الحروف، و الجُمْليّة، وهي ما تترکّب من الکلمات؛ والجمليّه أيضاً تنقسم: إلی التامّة، و هي مايصحّ السّکوت عليه، والناقصة، و هي مالايصحّ السّکوت عليه. والتامّة منها أيضا تنقسم إلی الإخباريّة والإنشائيّة. والمفردات أيضا تنقسم إلی الإسم والحرف و الفعل؛ لأنّه إمّا يصلح أن يقع محکوماً عليه وبه معاً و هو مايسمّی بالإسم، أو يصلح أن يقع محکوماً به حسب وهو مايسمّی بالفعل، أو لايصلح لشيئ منهما وهو مايسمّی بالحرف.
وقد مرّ البحث عن التراکيب الجُمليّة التامّة في مامرّ، بما لامزيد عليه، وبقي البحث عن
النّاقصة وعن الإفراديّة، ونحاول البحث عن الناقصة إلی محلّه، ونبحث عن الإفراديّة بالإجمال، وهو کالآتي:

الفرع الأوّل) في هيأة الفعل.
ينبغي إبتناء البحث عن الفعل علی قَبليات و قناعات معيّنة، لكي يعالج أمره علی أساسها، وقد أجاد فيه العبقريّ الشهيد السيّد الصدر(قدّ) حيث قال: «لا بدَّ من استعراض مجموعة من القناعات الثابتة بوجدان، أو المبرهنة بشي‏ء ممَّا تقدّم، لكي يُشخَّص مدلولُ الفعل في ضوء تلك القناعات. و هي كما يلي:
1 - أنَّنا في قولنا «ضَرَبَ زيدٌ» نفهم النّسبة الصّدوريّة القائمة بين الحدث و الفاعل.
[اقول: النسبة الصدوريّة يُفهم من لفظة «ضرَبَ» من دون اضافة کلمة «زيد» ايضاً؛ لأنّ الماضی يدلّ علی «حدوث حادث» «في مامضي» و «بواسطة فاعلٍ ما» و لو لم يُصرَّح باسم فاعلٍ؛ علی أنّ البحث في ما نحن فيه في الهيئات الإفراديّة. ]. 
2 - أنَّ هذه النّسبة يستحيل أن تكون نسبة تامّة وَفقاً للميزان المتقدم؛ لأنَّ موطنها الأصلي هو الخارج فلاتكون في الذهن إلا تحليليّة و كلّ نسبة تحليليّة فهي ناقصة.
3 - أنَّ الجملة المذكورة تحتوي على النّسبة التامّة بلا إشكال.
4 - انَّ الفعل بمفرده و بدون أن تستكمل الجملةُ الفعليةُ هيئتَها بضمّ الفاعل، يكون ناقصاً و لا يصحّ السكوت عليه.
5 - انَّ الجملة المذكورةَ لها مدلول وضعي تصوّري محفوظ مع قطع النّظر عن المدلول التّصديقي المعبر عنه بقصد الحكاية و في مرتبة سابقة عليه.
6 - أنَّ الفعل لايصحّ الحكم عليه و إن صحَّ الحكم به، و لايصحّ حمله على مصداق مدلول المادة، خلافاً للمصدر الّذي يصحّ أن يُحكَم عليه و أن يُحمل على مصداق مدلول المادة فيه.» [1]
وأضاف(قد) بأنّـه: بلحاظ هذه المسلَّمات يبطُل ما نُقل عن المحقّق النّائيني (قدّ) من أنَّ هيأة الفعل تدلّ على نسبة تامّة هي نسبة الحدث إلى فاعله على نحو التحقّق، و كذلك ما أفيد من قِبل السيّد الأستاذ - دام ظلّه - من أنَّ مفادّه قصد الحكاية.
امَّا الأوّل: فلانّ النسبة الصّدورية بين الحدث و فاعله يستحيل أن تكون تامّة لكونها تحليليّة.
و كأنّ المحقق النّائيني بإضافته التّحقّق إلى النّسبة أراد أن يجعلها تامّة و يميّزها عن النسبة المأخوذة في هيأة المصدر، بتصوّر أنّ الفرق بين التامة و الناقصة بذلك. مع انَّ هذه الإضافة لا محصّل لها في مقام تتميم النسبة، سواءً أريد بها «مفهوم التحقق»، أو «واقع التحقق الخارجي»، أو ملاحظة النسبة «بما هي فانية في الواقع الخارجي».
أمَّا الأوّل: فلأنَّه مفهوم إسمي و لا معنى لأن تتحوّل نسبة من النقصان إلى التماميّة بمجرّد أن يكون لها طرف اسمي آخر. و امَّا الثاني فلوضوح انَّ الوجود الخارجي غير دخيل في المدلول. و أمَّا الثالث فلأنَّه أمر يقع حتى في المفهوم الأفرادي و لا يُصيّره بذلك جملة؛ فملاك تمامية النسبة ليس إلا ما ذكرناه من كونها واقعية في مقابل التحليلية. نعم النسبة التامة هي النسبة القابلة لأن يحكم عليها بالتحقق لا أنَّها نسبة متضمنة للتحقق.
و امَّا الثاني [وهو قول المحقّق الخوئي (قد)]: فلأنّه رجوع إلى المدلول التصديقي مع انَّ الكلام في المدلول الوضعي و هو تصوري.
وكيف كان: فعلى ضوء المسلمات المذكورة يجب أن نشخص مدلول الفعل، و ذلك بوضع فرضيّتين، و ملاحظة ما ينجح منهما في تفسير كلّ تلك المسلّمات و الإنسجام معها.


[1] بحوث‏في‏علم‏الأصول، السید محمود الهاشمی الشاهرودی، ج1، ص306.