درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الرّأي المختار في الإنشاء والإخبار. (ما هو تمايز کلّ منهما عن الآخَر؟)    

وأمّا الفروق الأساس بين الإخبار والإنشاء:
فنقول (کما مرّ سالفاً): قد أجمع جمهور الأصوليين بتعدّد مدلولات الجملات الإنشائيّة والإخباريّة وتقابلِهما من حيثُ الثبوت و الإثبات؛ فقالوا إنّ مدلول هيئة الجملة الخبريّه هو ثبوت النسبة: إما في الخارج، فحينئذٍ تحکي عن تحقق النسبه في الخارج، وإمّا في الذهن فهي حينئذٍ تحکي عن ثبوتها في الذهن، أو في وعاء الإعتبار عندما يقال: بعتُ مثلاً، فعندها تحکي عن ثبوتها في عالم الإعتبار. أمّا مدلول الجملة الإنشائيّة فهو عبارة عن إيجاد النسبة. والإيجاد يتحقق علی نحوين: الأوّل: إيجاد النسبة الإنبعاثيّة، کما في صيغة الأمر، فهيئة «إفعلْ» توجِد النسبةَ بين الفعل و المخاطب. والثّاني: إيجاد المادّة بتوسّط الهيئة کما في العقود و الإيقاعات، فـهيئة «بعتُ» إذا أستعملت إنشائاً مثلاً توجِد مادةَ البيع.
فثبوت النسبة داخل في ذات معني الإخبار و هو جزءٌ منه، و إثبات النسبة وإيجادُها داخل في ذات معنی الإنشاء و هو جزء منه.
 وقال المحقق الخراساني: الإخباريّة والإنشائيّة من أحوال الإستعمال لا من أجزاء المعنی؛ فالموضوع له والمستعمل فيه في مثل «بعتُ» مثلاً واحدٌ، فإن أراد المتکلم الحکاية عن وقوع البيع عنه من قبل، کان خبراً، و إن أراد إيجاد البيع وإعتباره بنفس هذا الإستعمال، يکون إنشائاً.
وقال المحقق الإصفهاني: فمفاد الجملة الخبرية و الإنشائيّة في حيثيّة وجود المعنى بعين وجود اللفظ مشترك، إلّا أنّ الإنشائيّة بتمحّض الكلام الإنشائي في إثبات النسبة التامة بعين ثبوت اللفظ، و الخبرية بزيادة على الجملة بعنوان الحكاية عن النسبة التامة، و تقابلهما تارة بنحو تقابل العدم و الملكة، و أخرى بتقابل السلب و الإيجاب.
[والتوضيح ملخصاً: أنّ الجمهور کانوا يقولون: بإيجاد المعنی بتوسط اللفظ في عالم الإعتبار، في الإنشائيّات؛ فعندهم هيئة «بعت» علة لإيجاد البيع و الملکيّة في وعاء الإعتبار، بينما هو يقول: بأنّ للمعنی وجود جعلي مجازي باللفظ( وحقيقة الإنشاء والإخبار هو إيجاد الأمر النسبي بالوجود اللفظي): فإن کان لهذا الموجود المجازي ماوراءٌ وسبقٌ وقصد الحکاية عنه فهو إخباري وإلّا فهو إنشائي؛ فلهيئة «بعت» شأنان: شأن إخباري وشأن إنشائي؛ والتقابل بين الإنشاء والإخبار تقابل العدم والملکة أو السّلب والإيجاب. ولاسببيّة للّفظ في تحقق المعني ووجودِه مطلقاً: لا إيجاداً تکوينيّاً ولا إيجاداّ إعتباريّاً، فقول الجمهور باطل.]
وقال المحقق الخوئي: و من هنا قلنا انه لا فرق بينها و بين الجملة الخبرية في الدلالة الوضعيّة و الإبراز الخارجي، فكما انها مبرزة لاعتبار من الاعتبارات كالملكية و الزوجية و نحوهما، فكذلك تلك مبرزة لقصد الحكاية و الأخبار عن الواقع و نفس الأمر.
وقد ذُکرت فروق أخری بينهما:
منها أنّ للإنشاء نحو سببيّة لوقوع مدلوله أوعدم وقوعه، بينما أنّ الإخبار حاک عن وقوع النسبة ووجودها أوعدم الوقوع أو الوجود.
ومنها أنّ المدلول والمنشأ تابع ومتأخر عن الإنشاء، والإخبارَ تابع لمدلوله، وإن کان المخبرعنه متأخّراً عنه في بعض الأحيان، کما في الخبر عمّا يقع في المستقبل کالملاحم والفتن.
ومنها أنّ في الإخبار يحتمل الصّدق والکذب، و الإنشاء ليس مصبُّهما، و لذا لا يُتّصف بالصدق أو الكذب بل يتصف بالوجود أو العدم.
ومنها أنّ الإنشاء قد يُبرَز بالصّيغ الخبريّة کما في العقود والإيقاعات، نحو بعتُ و اشتريتُ و أنکحتُ، وهذا للتأکيد بحتميّة الإرادة للإيجاد أو مضيّ الإنعقاد، لأن الماضي بمعني القاطع، وهو من أسماء السيف في العربيّة، بينما أنّه في الإخبار يُکتفی بإستعمال الألفاظ والتراکيب الّتي وضعت له في الأصل حسْبُ. (تنظر: الشّهيد الأوّل، القواعد والفوائد:ج1، ص253،مکتبة المفيد، قم)
ومنها أنّ الإخبار يتعلّق بوعاء الخارج الحقيقي (بالمعني الأعمّ من العين والذهن) أو الحکمي، وبينما أنّ الإنشاء يتعلق بوعاء الإعتبار والجعل.