درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونية ـ مقترحاتنا في تحسين تقرير النّظريّة وتنسيقها في قوالبها القشيبة / 39
تبيين خصائل و خصائص مکوِّنات الخطاب و دورها في الشّؤون الأربعة للحکم :

الرّابع: في مايتعلّق بمقام إمتثال الحکم وتطبيق الخطاب:
ينبغي تنسيق مباحث مقام الإمتثال، حسَب أبعادها، في خمسة أقسام رئيسة، وهي: 1. البحث عمّا يتعلّق بعمليّة الإمتثال نفسها من تعريفه و تبيين أقسامه و تعيين نطاقه وقيوده [ومرّ فيها بعض الجهات في البحث عن المبادئ التصوّريّة]، 2. البحث عمّا يرتبط بالممتَثل والمولی من هذه الجهة، 3. البحث عمّا يتعلّق بالمکلّف به ومايُمتثَل به من هذه الجهة، 4. البحث عمّا يرتبط بالمکلَّف بالإمتثال من هذه الجهة، 5. البحث عمّا يتعلّق بظروف الإمتثال؛ ومن هذه الخمسة مانشير إليه ذيلاً :
71. الإمتثال هو الإطاعة؛و الإطاعة تتحقّق بفعل المكلّف[بل من الطفل المميّز وغيره أيضاً] أو ترکه، وَفقاً لما أراده المولى إنقياداً له.
والأصل فى ذلك أنّ المَثَل أو المثال صورةٌ مجسّمةٌ ينصبها المصوِّرون بين أيديهم و ينقشون على القرطاس أو البساط أو غيرِهما على حَذْوها؛ ثم يُتوسّع فى ذلك و يُطلق على كل شىء يجب أن يكون أفعال الفاعلين على حَذوه، مثل خطٍ جيّد و فعل حسن و كلمةِ حكمة وهکذا. و قد يطلق المثالُ والأسوة على أمر المولى وفعله و الإمتثالُ علی المطاوعة لهما، لأنّه تطبيق للعمل على المثال والأسوة؛ کما قال سبحانه: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...»[1] فهو مِثال ومَثل و أسوة مُثلی؛ وکما قال في إبراهيم(ع) أيضاً: « قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في‏ إِبْراهيمَ وَ الَّذينَ مَعَهُ...».[2]
 فالمراد من «تطبيق الشّريعة» (بالمعنی الأعمّ)، هو تنفيذ الأحکام التّکليفيّة و التّهذيبيّة، في ساحات حياة الإنسان، وَفق ما أراده المولی، مع لحاظ مقتضيات الظّروف والملابَسات، إنقياداً له. وهذا يشمَل مباحثَ الفعل والترک الإراديّـين، الصادرين عن المکلف، وهکذا يشمَل مکانيکيّةَ الإمتثال ومراحلَه، والتخطيطَ، والتنهيجَ(المنهجة)، والتنسيقَ المطلوبَ والمناسب للتنفيذ، وتصنيعَ (الصُناع) آليّات وأدوات التطبيق، ومايتعلّق بـ«تزاحم الأحكام» و«تصادق المتعلّقين»، وسائر مايرتبط بمقام إجراء مشيّة الله التشريعيّه.
ونظريّة الخطابات القانونيّة ـ کما صرّح به مُنظِّرها(قدّ) ـ أيضاً تتعلّق بمقام الإمتثال لا الجعل، وکما أنّ مباحثها أيضاً تجري حول مسائل شؤون التطبيق والتّنفيذ، و حلولِ مشاکلها غالباً.
علی کلّ حال: فالمسائل المتعلِّقة بمقام الإمتثال ـ مطلقاً أو علی بعض التقريرات أو الوجوه ـ  کثيرة جداً و يبدو أنّها تشکِّل جمّاً غفيراً من مباحث علمي الأصول و الفقه؛ والمناسب أن تُحصی وتُنَسّق وَفق صياغة المبادئ النّابعة عن خصائص مکوّنات الخطاب الخمسة؛ وهذا يطلب مجالاً موسّعاً ولسنا نمتلکه الآن، فنکتفي بذکر بعضها أنموذجاً ونحاول التفصيل إلی عاتق الوسعة والفرصة بعونه وعنايته تعالی.


[1] سوره احزاب، آيه21.
[2] سوره ممتحنة، آيه4.