موضوع: نظريّة الخطابات القانونية ـ مقترحاتنا
في تحسين تقرير النّظريّة وتنسيقها في قوالبها القشيبة / 27
تعقيب البحث عن المبدأ المعرفي لتتميمه:
13.
ينبغي طرح بحوث هامّة رئيسية في إطار الدّوالّ والدّلائل الإلهيّة هذه؛ فقد خضعت للدّراسة
و المطالعة من خلال سبعة محاور مرتّبة كالآتي:
ـ
ماهية الدوالّ والدّلائل (بحث ماهية كلّ من الدالّات والدّلائل و تركيباتها و عناصر
كلّ واحدة منها)
ـ
تصنيف الدوالّ والدّلائل و تقسيمها علی المراتب و الأنواع.
ـ
حجية الدوالّ والدّلائل (تفسير أصول و أدلة حجيّة كلّ منها)
ـ
إنتاجية الدوالّ والدّلائل (شرح أنواع و مديات إنتاجيّة كلّ واحدة منها)
ـ
تحديد علاقة الدوالّ والدّلائل (تعيين علاقة كلّ دالة بالدوالّ الأخرى و بقيّة الأصول)
ـ
تطبيقات الدوالّ والدّلائل (تبيين الأساليب و القواعد و الضوابط الخاصّة بتطبيقات کل
واحدة)
ـ
باثولوجيا الدوالّ والدّلائل (ويُقصد بها بحث العوائق و المحدوديات الخاصة بكلّ دالة
من حيث الفاعلية و التطبيق)
إلاّ
أنّه لا مجال هنا من الدخول تفصيلياً في فصول و فروع بحوث الدوال، و لذلك سنكتفي فقط
بتوضيح نقطة مهمة و هي أنّ نشوء المعرفة الدينية و إنتاجها و تكاملها و انحطاطها و
اتساعها و تطورها تتأثر بمبدأ المعرفيّ قبل أيّ عامل آخر؛ لأنّ تكثير الدوالّ و تقليلها
و توسيع أو تحديد مدياتها و أشكال تطبيقاتها و تعيين طبيعة العلاقة و التعاطي بين بعضها
البعض و بينها و بين الأصول الأخرى و أساليب و قواعد تطبيقاتها في الكشف عن المقولات
و التعاليم، كلّها تلعب دوراً كبيراً للغاية في إنقباض المعرفة الدينية و إنبساطها
و تعمّقها و سطحيّتها و صحّتها و سقمها و تعيين وجهتها.
و
الحقيقة أنّ إختلاف النتاجات المعرفية للمساعي الإكتشافية مثلاً لمن ِيؤمن بالعقل کحجية
وحيدة و ينسب إليه مساحة كبيرة من الفاعلية و يرجّحه في المقارنة بينه و بين النقل،
و يسعى إلى توظيفه بشکل دقيق و تامّ في عملية الکشف عن المقولات و التعاليم الدينية،
و بين المعرفة المکتسبة عند من لا يؤمن بهذا المنهج (العقل کحجيّة وحيدة) و لا يطبّقه،
أقول إنّ هذا الإختلاف هو أقرب إلى الإختلاف بين دينيْن (أو مذهبيْن) منفصليْن منه
إلى تصوّريْن نابعين من دين واحد. و الجدير بالذّكر أنّ هذا الوصف ينطبق على الأشعريّة
و المعتزلة في الإسلام.
إنّ
التفاوت و التهافت بين نتاج المذهب العقلاني (ناهيک عن محاربة العقل و التعبّد بالنص)
في عملية تعرّف بالدين و بين المذهب اللاعقلانيّ فيها (ناهيک عن التعبّد بالعقل) لا
يقتصر على ردّ أو قبول دالّة ما، بل يؤثّر تأثيراً كبيراً كذلك على جميع زوايا و أركان
فهم الدين و التديّن عند الفرد. ففي بعض الأحيان يلعب التفاوت في تصوّر مسألة مّا دوراً
بارزاً في التفاوت بين المذاهب و المسالك؛ على سبيل المثال، الإختلاف في وجهات النظر
بشأن القبح و الحسن الذاتيّين و العقليّين (إذا ما نظرنا إليه من زاوية معرفيّة) الذي
أصبح عاملاً ـ أو على الأقلّ ـ مؤشراً على إنفصال المذاهب أو المسالك الفكريّة المهمة
في الإسلام.
وبموجب
نظرية «المكوّن الثلاثي الأضلاع للمعرفة» ـ الّتي مضی شرحها آنفاً ـ فإنّ الحالات
المعرفيّة الأربع(الإبتعاد و الإحتجاب و الإقتراب و التعرّف) تتبع الأوضاع المختلفة
و المتنوّعة النّاجمة عن (أوضاع العارف وفاعل المعرفة) و (أنواع المعلومة و متعلّقات
المعرفة) و (العناصر المعرفية التکميلية من معدّات المعرفة و موانعها) و الصور الناتجة
عن توليف الأوضاع و الأنواع و العناصر المختلفة مع بعضها البعض. و في هذه الأثناء تلعب
أوضاع الذات/العارفة و المصادر الداخلية و الخارجية دوراً رئيسياً في تكوّن المعرفة،
و تشير هذه النقطة إلى أهميّة المبدأ المعرفيّ في تكوين المعرفة الدينيّة.
ما
ذكرناه حتى الآن يتعلّق بشكل كبير بمقام الإثبات (إكتشاف الدّين و إظهاره)، أمّا في
مقام الثبوت فإنّ صحّة المعرفة الدينيّة و كمالَها و شموليةَ و فاعليةَ الدَّين العملية
مرهونة بالكشف النّفس الأمري التشريعي و المعرفيّ و التطبيق الدقيق و الصحيح للدّوال
و توظيف المبدأ المعرفيّ في الكشف عن الدين و فاعليَّته.
ونظراً
للوضوح العامّ الذي لا يقبل الشّک لفاعليّة المبدأ المعرفيّ في تكوّن المعرفة الدينيّة،
فإنّنا لا نجد ضرورة إلى توضيح أكثر، و لذلك سنكتفي بهذا القدر من الشّرح لننتقل إلى
البحث عن المبدأ التالي وهو المبدأ الماهوي.