درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظرية الخطابات القانونية/ نقد النظرية/14.

وأمّا نقد النظريّة، من وِجهة نظر معطياتها، ودورِها في علاج المسائل؛ فنقول: الحقّ أنّه وإن کانت هي الجادّة لحلّ بعض المسائل الأصوليّة والفقهيّة جدّاً، ولکن هناک نکتتان جديرتان بالذّکر:
الأوّلی: لايتمشّی تطبيق بعض الخطابات عليها أبداً فلايُمکن علاج المسائل المترتّبة علی هذه الخطابات، مبتنيّاً عليها.
الثّانية: لايتوقّف علاج بعض الموارد من المسائل، عليها فحسْب، بل توجد هناک سبل أخری لعلاج البعض أحياناً.
أمّا النّکتة الأولی: فممّا لاتنطبق النّظريّة عليه هو مدلول آية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»[1] وتوضيحه: أنّ بعضهم فسّرها علی الوضعية وکونها إرشاداً إلی لزوم العقود، والآخر علی التکليفيّة، ودلالتها علی وجوب الوفاء تکليفيّاً.
فعلی الأوّل: يکون متعلّق اللزوم هو العقد الجزئي الخارجي؛ کأنّ الألف واللام تُلمِح إلی العهديّة أي عقودِکم الّتي تجري بينکم في آنات حياتکم الإجتماعيّة يوميّاً، لأنّ العقد الکلّي لايتّصف باللزوم، فهذا الخطاب شخصيّ.
وأما علی الثّاني: بما أنّ متعلق الوجوب هو الوفاء، ومتعلّق الوفاء أيضاً هو العقد، فيکون العقد متعلّق المتعلّق؛ وقلنا المراد من العقود هي العقود الخارجية الصّادرة عن الأشخاص المعيّنين لا العقود الکلّية؛ فإذا کان کذلک يجب أن يکون الوفاء أيضا هو الوفاء بالنّسبة إلی هذه العقود الخارجيّة، لأنّه کما لاينبغي تعلّق الحکم بالعقد الکلّي لاينبغي تعلّق الوجوب بالوفاء الکلّي! وبالتّالي: فکيفما فسّرت الآية: وضعيّةً أو تکليفيةً، لايمکن تطبيقها علی مرامه(قدّ).
إن قلت: مصبّ النّزاع هيهنا هو إنحلال الخطاب وعدمُه، وتبيينُ کيفيّة تعلّقه بـ«الموضوع» وتعيينُ کون المخاطب عامّاً أو خاصّاً، ولا صلة له بمتعلّق الحکم وأنّه هل هو کلّيّ أو جزئيّ، والإشکال متوجّه إلی کلّيّة المتعلّق وجزئيّته، فلادخل له بما نحن فيه!
قلت: وإن کان ظاهر عنوان النّظريّة هکذا، ولکن:
أوّلاً: صرّح(قدّ) في مبادئ النّظريّة، کما مرّ: بأنّ الأوامر متعلّقة بالطّبائع، وأنّ الأحكام الشّرعيّة القانونيّة على قسمين: «الإنشائيّة» و«الفعليّة»؛ فنسئل عن المستشکل: هل المراد هو طبيعة المخاطبين بما هي کالموضوع للحکم، أو طبيعة الأمور بما هي کالمتعلّق له؟ و هل الإنشائيّة والفعليّة هما صفتان للمکلّف أو للتّکليف؟
وثانياً: لايمکن تمييز بال مخاطب الخطاب عن متعلّق الخطاب، في هذا المقام من جهة الکلّيّة والجزئيّة؛ بل جزئيّة العقد وخارجيّته تابعة لجزئيّة العاقد وخارجيّته؛ لأنّه إذا وُجد شخص معيّن في الخارج يقوم بعقدٍمّا خارجاً، يتحقّق هناک عقد جزئيّ خارجيٌ، وإلّا لايتحقّق عقد أصلاً.


[1] سوره مائده، آيه1.