درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونيّة/ نقـد النظريّة/11.

وأمّا نقد النظريّة علی المستوی الثّالث:
أي من منظار تحليل دور النّظريّة في إطار معالجة المسائل الأصوليّة والفقهيّة.
   فنقول: رغم الإشکالات الواردة علی النّظريّة، التي ألمحنا إلی بعضها سالفاً، لها معطيات متنوّعة وتطبيقات متکثّرة في مجالات مختلفة جدّاً، فينبغي الدّراسة في کلّ منها حقَّ الدّراسة، حتّی يتبيّن في ضوئها الحقّ من غيره، عُدّ عديدٌ من الأبواب والأبحاث، کالمجالات المُعَدّة لجوَلان النّظريّه فيها جولتها الفعّالة، وکالمضمارات الممهَّدة لإيفائها دورها البنّائة؛ ونحن الآن نقرّر بعضها بالإجمال ـ من دون تعريضٍ إلی صحّة کلّ منها علی حدة أو عدمها ـ ثمّ نُلفت النظر إليها نظرةً نقديّة إجمالية وبنحو إستيعابي، إحترازاً عن الإطالة والإملال.
وأمّا المضامير والمجالات المرتبطة بها، والآثار والأثمار المترتّبة عليها فيها :
فمنها: في البحث عن بطلان التّرتب وصحّته.
فعلی مبنی الجمهور، في دوران الأمر بين المهم والأهمّ ـ نظراً إلی فقد القدرة علی الجمع بينهما ـ يکون الأهمّ مطلوباً فعليّاً فحسْب، فيصير المهم مفتقداً للأمر الفعليّ، فعلی هذا إن قام العبد بالمهمّ قام بما لاأمر له فيکون فعله باطلاً؛ وأمّا علی مبنی الإمام(قدّ)، هناک خطابان عامّان وکلاهما فعليّان، فبأيّهما قام العبد يُعدّ ممتثِلاً لأمر فعلی صدر عن مولاه، فيقع صحيحاً ويکون مثاباً، إلّا أنّه في فرض ترک الأهمّ يکون عاصياً بالنسبة إليه؛ (ولعلّ لتفويته الأهمّيّة لا الأهمّ، بتعبير منّا).
و بعبارةٍ أخری:
بما أنّه علی مبنی الإمام(قدّ)، الأمر يتعلّق علی الطّبيعة بنحو اللّابشرط، فتکون هي موضوعاً للحکم، فلايشمَل الخطاب علی الخصوصيّات الفرديّة والحالات المختلفة الطارئة عليه، فضلاً عن لحاظ معالجات هذه الحالات؛ فالتزاحم، من جهة أنّه طارئ خاص علی مورد خاصّ، خارج عن مغزی الدّليل ومقضاه. فهناک: ما هو متعلّق الأمرين ـ وهو الطّبيعتان بنحو اللابشرط ـ مقدورٌ، وما هو غيرمقدور ـ وهو «الجمع بين المصداقين المفروض تزاحمُهما ـ ليس متعلّقاً للأمر!، فتوارد الحکمين العامّين في مورد جائزٌ، فلايترتّب إتيان المهمّ علی ترک الأهمّ، ولافرق بينهما من جهة جواز القيام علی الإتيان بهما، وإن کان العبد يُعاقَب علی ترک الأهمّ للقيام بالمهمّ.
فذلکة: الحکمان المتزاحمان متساويان، لفعليّة أمر کلٍّ منهما بالنّسبة إلی متعلّقه، فالأمر بشىء لايقتضى عدمَ الأمرِ بضدّه أو النّهي عن ضدّه.
ففي دوَران الأمر بين الأمرين، من جهة کيفيّة عمل المکلّف و ترتّبِ الثواب والعقاب علی الفعل والتّرک وعدم ترتّبهما أحياناً، تُتصوّر وجوه ستة:
1ـ أن يکون الأمران مساويين ويقوم المکلّف بفعل أحدِهما وترکِ الآخر،
2ـ أن يکون أحدهما أهمَّ و الآخر مهمّاً ويقوم المکلّف بفعل الأهمّ وترک المهمّ،
3ـ عکسه، أي: يقوم بفعل المهم وترک الأهم،
4ـ أن يترُک کليهما من دون أن يشتغل بفعلٍ، مع کونهما مساويين،
5ـ أن يترکَهما معاً من دون أن يشتغل بفعلٍ، مع کون أحدِهما أهمّ،
6ـ أن يَترُک کليهما للإشتغال بحرام.
فعلی مبناه (قدّ): المکلّف يکون في الأوّل والثّاني مُثاباً ومعذوراً، وفي الثّالث مُثاباً لفعل المهم ومعاقَباً لترک الأهم(لتفويته الأهمّيّة)، وفي الرّابع والخامس له عقابان، وفي السّادس له ثلاث عقابات.
ومنها: في البحث عن شروط جريان البرائة في أطراف العلم الإجمالي، عند خروج بعض الأفراد عن محل الإبتلاء.
فعلی مبنی الجمهور: إذا خرج بعض أطراف العلم الإجمالي عن محلّ الإبتلاء يستهجن الخطاب به، وکأنّ إستهجان الأمر بغير المبتلی به يسري إلي الکلّ فيصير کلّه مستهجناً فيُسقط العلمَ الإجمالي عن المنجّزيّه؛ وأمّا علی مبنی عدم الإنحلال فوجود الموارد المبتلی بها حداً يُعتنی بها يکفي في رفع الإستهجان وتحسينِ الخطاب ومنجّزيّة العلم الإجماليّ. 
ومنها: في قاعدة نفي الحرج، إن قلنا بکون النّفي عزيمةً (کما عليه الجمهور).
إذا صار حکمٌ من الأحکام حرجيّاً علی مکلّف مّا، فعلی مبنی الجمهور، يصير هو مفتقداً للخطاب الفعلي، فإن قام به بطل، لأنّه قام بأمر بلا أمر يوجبه! وأمّا علی مبنی الإمام(قد)، فبما أنّ الخطابَ عامٌ، يتعلّق الحرجيَّ وغيرَه، فالأمر فعلیّ بالنّسبة إلی کليهما، فإذا قام به يُعدّ إمتثالاً لخطاب فعليّ، فيقع صحيحاً.
ومنها: في قاعدة نفي الحرج، علی القول بإمتنانيّتها.
التوضيح أنّه: إن کانت قاعدة لاحرج، وأيضاً قاعدة لاضرر وأمثالها، إمتناينّة، فإن قلنا بإنحلال الخطابات، يجب أن يتحقق الإمتنان في کلّ مورد من موارد جريان القاعدة، وإلّا فيکون بعض الموارد فقيد الملاک! وأمّا إن قلنا بتعلّق الخطاب علی العنوانات العامّة وعدم إنحلاله، فيکفي في تعنونها بالإمتنانيّة تحققُ الإمتنان في بعض مواردها المعتنی بها، ويحسُن حينئذٍ جعلها وجريانها في کلّها(حتّی في موارد لايوجد فيها إمتنانٌ أصلاً، کما أنّ قاعدة لاضرر مثلاً جرت علی السمُرة أيضاً مع کونها في حقّها ضرريّةً جدّاً؛ لأنّ کونَها إمتنانيّةً للأنصاري يکفي في صدقها.)