درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظرية عدم انحلال الخطابات القانونية ـ نقد النظرية / 6

وأمّا بالنّسبة إلی المستوی الثّاني:
يمکن إلقاء بعض الملاحظات في ذيل کلْ من مبادئ النّظريّة و مکوِّناتها:

أمّا المقدّمة الأولی:
فأوّلاً: يمکن أن يقال: هل لإمتثال الطّبيعة ـ لاسيّما مع القول بعدم مرآتيّتها للأفراد ـ مکان من الإمکان؟ کيف ولاتحقّق لها في الخارج إلّا ضمن الأفراد، وهل تقع حينئذٍ صيداً لصيّادٍ وهي کعنقاء مُغرِب!
وثانياً: وإن لم يُرد المولی إنبعاث العبد و تحقّقَ المأموربه، فلما ذا أمر؟ وهل للحکم غايةٌ غيرُ هذين؟ وهل للتّقنين حقيقة سوی الإعتبار من جانب المولی لغرض إنبعاث المکلّفين و تحققِ التکليف، وإطاعة الأوامر والنّواهي؟ وهذا شبيه بالقول بمغايرة الطلب والإرادة !
وثالثاً: لاصلة لهذه المقدّمة بمسألة التّرتّب، الّتي من غاية وضعِ النّظريّه حلُّها، لأنّه لو قيل بتعلّق الأوامر بالأفراد أيضاً يمکن تصوير فعليّة الأمر بالأهمّ والمهمّ معاً؛ لأنّ مقامَ التّزاحم متأخّر عن مقام التّشريع، فيتمشّی عن المولی صدورُهما، و العبد، لو فعل أحدَهما وترک الآخر، عند التّزاحم والعجز عن الجمع، يکون مثاباً بإزاء مافعل (أيّهما کان) ومعذوراً في ترک المهمّ وعاصياً في ترک الأهمّ؛ بل لو لم يقتضي الأمر بالشيئ النّهي عن ضده، يکون عدم إرتباط الأمرين وترتّبِ أحدِهما علی الآخر أشدّ و أوضح عند القول بتعلّق الأمر بالأفراد! لأنّ کلّاً من الأمرين يبقی علی ماعليه علی أيّ حال؛ لأنّ مؤدّی کلٍّ منهما لوحظ علی حدةٍ وفارغاً عن الآخر. فلا دخل للمقدّمة في ماقصد.

وأمّا المقدّمة الثانية:
فلقائل أن يقول: المقدّمة الأولی تُغنينا عن الثّانية؛ إلّا أن يکون الرّکاز في البحث عن الثّانية علی إثبات «عدم مرآتيّة الطّبيعة للأفراد» فقط، ولکن عندئذٍ تکون مترتّبةً عليها، فتکون متمّمةً لها لا مستقلةً عنها ومستقرّةً في جنبها، فتأمّل! وعلی أيّ حال: لو لم يکن حلّ معضَلةِ الترتّب متوقّفاً علی الأُولی وکانت الثّانية مترتّبةً عليها، تفشَل صلتها بغاية النّظريّة من أساسها أيضاً.

وأما المقدًمة الثّالثة:
وإن کانت هذه صحيحةً في حدّ نفسها علی المبنی، ولکن (کما قال نجله العبقريّ، الشّهيدالسعيد السيّدمصطفی (ره) في التحريرات:) ما تفوّه الخصم بتکفّل أدلّة الأحکام الشّرعية نفسِها علاجَ حالة التّزاحم بين الحکمين أصلاً، حتی تمسّ الحاجة إلی ذکر هذه المقدّمة؛ بل الخصم قائل بوقوع المحذور العقلي حين تعدّد التکليف و وحدة القدرة فقط، وأنّه کاشف عن تقيّد وجوب الحکم بمقدار الميسور؛ کما أنّ صاحب النّظريّه(قدّ) أيضاً يعتقد بحصول التعذّر العقلي حينه وکشفِه عن عدم العصيان بترک المهمّ عند العمل بالأهمّ؛ فالثّالثة أيضاً زائدة لاحاجة بذکرها.