درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونية ـ بيان هويّه المعرفيّة للنّظرية/4
نبحث ذيل عنوان «الهويّة المعرفيّة» لمسئلةٍما، حسب الموارد والمناسبات، عن مطالب شتيّ:
   منها: عن أنّها هل هي قضيّةٌ عقلانيّةٌ، أو عُقَلائيّة، أو فطرانيّةٌ، أو نَقلانيّةٌ، أو تجريبيّةٌ؟
   ومنها: عن أنّها هل هي مدَّعیً دينيّ قدسيّ أو عَلمانيّ؟
   ومنها: عن أنّها هل هي أمر حقيقيٌّ أو إعتباريّ؟
  ومنها: عن أنّها هل هي من مبادئ العلم، أو من مسائله؟ و إن کانت من مبادئه، من أيّ نوعٍ منها هي(من الأنواع التي ذکرناها في البحث عن أقسام المبادئ سالفاً)، ومن أيّ مرتبة منها (من البعيدة أوالوسيطة أوالقريبة)؟؛ وأيضاً إن کانت من مسائله، فمن أيّ قسم من أقسامها هي (من الأقسام الّتي ذکرناها في محلّه)؟ وهکذا...
وأمّا الهويّة المعرفيّة لنظريّة الخطابات القانونيّة الشَرعيّة:
فنبيّنها من خلال جهات:
1ـ ليست النّظرية برهانيّةً، بل هي من العُقَلائيّات الإعتباريّة، القريبة من العقليّة والفطريّة.
2ـ وإن کان تکوّنها کرويّة سائرة نشأت من فعل العقلاء في المجتمعات الإنسانيّة، و لکن لم يرد عليها ردع من جانب الشّارع القدسيّ، بل عمِل هو أيضاً في تشريعاته علی النّمط نفسه، فلاتعدّ هذه رويّة علمانيّة.
3ـ ليست هي مسئلةً أصوليّةً، بل هي من سنخ مبادئ علم الأصول؛ وبما أنّها ترتبط بماهيّة الحکم وبيان خصائله تُعدّ من المبادئ الأحکاميّة؛ وبما أنّ المبادئ الأحکاميّة تختص بهذا العلم بل بقسم من مسائله، فمباحثها تُعَدّ من المبادئ القريبة أو الوسيطة له.
و إن شئت فقل: هي من مسائل فلسفة الأصول و فلسفة الفقه المشترکة؛ فأن عُدّت الأصوليّات نفسُها من مبادئ الفقه، تکون المبادئ الأحکاميّة، من المبادئ القريبة بالنسبة إلی علم الأصول والوسيطة بالنسبة إلی علم الفقه؛ کما أنّه يمکن تصوير العکس أيضاً، وذلک إذا نظرنا إليها کمؤلّفة من مؤلِّفات المبدأ التصوّري للفقه بمعنی الأحکام، وإلی علم الأصول کالمنطق لتفقّه الفقه، وإليه کالمتعلّق للدّراسات الأصوليّة.
4ـ لو لم يتّخذ الباحث الأصولي والمجتهد الفقيه، مبنیً معيّناً في هذا المضمار وبالنّسبة إلی هذه الأطروحة، لايقدر أو لاينبغي أن يَبحث عن کثير من المسائل الأصولية أو يُفتي في غفير من الفروع الفقهيّة جدّاً؛ فينبغي البحث عن النّظريّة في مفتتح علم الأصول کمبدإ من مبادئه، ما لم‌تتکوَّن فلسفة الأصول کعلم مستقلّ يُدرَّس في الحوزات العلميّة المقدّسة (صانها الله عن الحدثان)؛ فإنّ نظريّة عدم الإنحلال کما عبّرعنها نجله الشهيد السّيّدالمصطفی (قدّ) «بارقة ملکوتية»[1] ينحل في ضوئها کثير من المعضَلات، ويرتفع في ظلّها غفير من المشکلات جدّاً؛ و إن کان حتّی الإمام نفسِه(قدّ) قد لايلتزم بلوازم نظريّته هذه أو قديتغافل عنها لدی عمليّة الإفتاء أحياناً، فلهذا بعض ما أفتی به لاينسجم مع القول بها، کما في کفّارة الإرتکاب بمحرّمات حال الإحرام، إذ هو قائل بعدم وجوب الکفّارة لمن إرتکبها جاهلاً، مع أنّه علی مبناه، الحکمُ هناک فعليّ، فکان ينبغي عليه الإفتاء بوجوب الکفارة ! (هذا نظير ما يرتکبه صدر المتألّهين(ره) من الآراء المناسبة مع القول بأصالة الماهيّة، في بعض الأحيان، رغم کونه مؤسّسَ نظريّة أصالة الوجود! وهذه لشدّة إظلال أفروضة أصالة الماهيّة علی الأذهان والألسنة من قديم، الموجب للإنغفال عنها تارةً وسبقِ اللسان أوالقلم أخری) إلّا أن يقال: إنّ الجاهل معذور علی المبنی، فتسقط عنه الکفّارة رغم فعليّة الحکم، ولهذا لم يقُل(قدّ) بوجوبها، ولکن إن کان کذلک لقال به في الموارد کلّها.


[1] تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني، ج3، ص455.