درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونيّة ـ تقرير النظريّة /2.
تقرير النظريّة و تبيين مبادئها المکوّنة لها، إجمالاً:
إنّ التكاليف الشرعيّةَ ليست الّا كالقوانين العرفيّة المجعولة لحفظ الإجتماع و تنظيم الأمور؛ فكما أنّ هناک يوجد خطاب عام وُحداني، متعلِّق بعنوان عام وحجة على عامة المکلّفين، ولاينحلّ إلی خطابات مختلفة يتوجّه کلّ منها إلی شخص من الأشخاص و بملاحظة الطّوارئ والحالات المختلفة؛ فكذلك ما نجده في الشرع کلّ من الخطابات المتعلّقة بالنّاس أوالمؤمنين مثلاً خطاب وحداني يعم الجميع.  و بعبارة أخری: إنّ ما هو الموضوع في دائرة التّشريع هو عنوان عام کالنّاس مثلاً يشمل علی آحاده، أعمّ من العاجز والقادر، والجاهل والعالم، والسّاهي والذّاکر وأشباهها؛ ولأجل ذلك يكون الحكم فعليّاً علی الآحاد کلّها في عرض واحد؛ غير أنّ کلّ من العجز والجهل والسّهو عذر عقليّ يمنع عن تنجزّ التكليف علی العاجزين والجاهلين والسّاهين؛ وملاك صحة الخطاب وعدم إستهجانه هناک هو صلوحه لبعث عدد معتدّ به من المخاطبين ولو يوماًمّا، غيرِمضبوط تحت عنوان خاص غيرِ العنوان المندرج في الخطاب.[1]
   قرّر(قدّ) مبادئ النّظريّة ومکوِّناتها، خلال مقدّمات سبع بمثل ما يأتي:
الأُولى: أنّ الأوامر متعلّقة بالطّبائع بنحو لابشرط بالنّسبة إلی الأفراد (لابنحو بشرط لا عنها أو بنحو بشرط شيئ من الذّهن والخارج)، وأنّ الخصوصيّات الفرديّة بأسرها خارجةٌ عن المتعلّق، وإن كانت الأفراد متّحدةً معها خارجاً وتنطبق الطّبيعة عليها قهراً.
الثّانية: أنّ الإطلاق، يباين العموم في أنّ الحكم فيه لم يتعلّق إلاّ بنفس الماهيّة أو الموضوع، وليس الحكم الّذي يحمله متعلِّقا بالأفراد والحالات والطوارئ؛ وهذا بخلاف العموم، فإنّ أداتِهِ وُضعت لإستغراق أفراد المدخول، فيتعلّق الحكم فيه بالأفراد المحكيّة بعنوان «الكلّ» و«الجميع».
الثّالثة: حيث أنّ التّزاحمات الواقعة بين الأدلّة، تکون متأخّرة عن تعلّق الحكم بموضوعاتها وعن إبتلاء المكلّف بالواقعة، لم تكن ملحوظة في الأدلّة.
الرّابعة: أنّ الأحكام الشرعيّة القانونيّة المترتّبة على موضوعاتها على قسمين [أو قل: لها مرحلتان]:
أحدهما: «الأحكام الإنشائيّة»، و هي الّتي أُنشِئت على الموضوعات ولم تبق على ما هي عليه في مقام الإجراء، كالأحكام الكلّيّة قبل ورود المقيِّدات والمخصِّصات و مع قطع النّظر عنهما، و كالأحكام الّتي لم يأن وقتُ إجرائِها.
ثانيهما: «الأحكام الفعليّة»، و هي الّتي تمّت قيودُها ومخصّصاتها وآن وقتُ إجرائِها وموقعُ عملِها.
فعلی هذا، «الإقتضاء» و«التنجّز» ليسا من مراتب الحكم ومراحله: أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثّاني فلأنّه حكم عقليّ غير مربوط بمراتب جعل الأحكام.
الخامسة: أنّ الأحكام الكلّيّة القانونيّة تفترق عن الأحكام الجزئيّة من جهات، والخلط بينهما صار منشأً لبعض الإشتباهات عند أصحاب الأصول.
وأکّد(قدّ): بأنّ الخطابات القانونيّة لاتنحلّ إلى الخطابات الشخصيّة والجزئيّة، بل يكون الخطاب العموميّ خطاباً واحداً يتعلّق علی العنوانات العامّة، وهو غيرمستهجن بل واقع شايع بين العقلاء، وموجّه معقول لدَيهم؛ لأنّ صحّته لاتتوقّف على صحّة إنبعاث الأفراد کلِّهم.
هذا مضافاً إلى أنّ الإرادة التشريعيّة ليست إرادةَ إتيانِ المكلّف وإنبعاثِه نحو العمل، و إلاّ يلزم، في الإرادة الإلهيّة، عدمُ إنفكاكها عنه وعدمُ إمكان العصيان، بل هي عبارة عن إرادة التقنين على نحو کلّي.
السّادسة: أنّ الأحكام الشرعيّة غيرُ مقيّدة بالقدرة لا شرعاً ولا عقلاً.
أمّا شرعاً فظاهر، فإنّه ليس في الأدلّة ما يوجب التقييد بالقدرة العقليّة، و لو فرض التقييد الشرعيّ للزم الإلتزام بجواز إيجاد المكلّف العذرَ لنفسه، و لا أظنّ إلتزامهم به، وللزم جريان البراءة عند الشكّ في القدرة، ولايلتزمون به، وليس ذلك إلاّ لعدم تقييد شرعيّ، و من ذلك يُعلم عدم كشف التقييد الشرعيّ عقلاً أيضاً. 
و أمّا التقييد العقليّ ـ بمعنى تصرُّفه في الأدلّة ـ فهو لايرجع إلى محصّل، بل تصرّف العقل في إرادة المولى أو جعلِه، ممّا لا معنى معقولٌ له، والتقييد والتصرّف لايمكن إلاّ للجاعل لا لغيره.
نعم: العقل يصدر حكمي مقامِ الإطاعة ومقامِ العصيان، ويعيّن أنّ مخالفة الحكم: في أيّ مورد توجب إستحقاق العقوبة، وفي أيّ مورد لاتوجب، لمعذوريّة العبد؛ فليس للعقل إلاّ الحكم بأنّ العاجز والجاهل ونظيرَهما معذورون في ترك الواجب أو إتيان الحرام، من غير تصرُّف في الدليل.
السّابعة: أنّ الأمر بكلّ من الضدّين أمر بالمقدور الممكن، والّذي يكون غيرَمقدورٍ هو جمع المكلّف بين الإتيان بمتعلّقهما، و هو ليس متعلّقاً للتّكليف!.[2]
 والحقّ: أنّ النّظريّه مبتنيةٌ علی أفروضات مختلفة مخبوئةٍ وراء ذهن صاحبها(قدّ)، لم يصرّح بکلّها تصريحاً بيّناً، بل جرت کلماتُه بين التّصريح إلی بعضها والتّلويح إلی بعضها الآخر، وما جاء في المقدّمات السّبع هو أبعاض ما صرّح به؛ وهناک عناصر وجهات أخری تعدّ من مبادئ هذه النظريّة أيضاً، ومنها الأفروضات الآتية: 
الأولی: إنّ الخطابات الشّرعية من زمرة الخطابات القانونيّة العامة، وهو وجداني لاريب فيه.
الثّانية: إنّ الخطابات العامّةَ لاتنسحب «مطلقاً»: لا علی النّحو «الحقيقي» ولا علی النّحو «الحکمي»؛و لا أيضاً علی النّحو «النّسبي»(الإنحلال إلی حدٍّما وإلی العنوانات العامّة الفرعيّة) ولا علی النّحو المطلق علی المصاديق الجزئيّة المتکثّرة.
الثّالثة: إنّه يحسن تعلّق الخطاب علی شخص من دون ملاحظة إنبعاثه وَفقه؛ و کأنّ «توجّهَ» الخطاب إلی شخصٍ غيرُ «تعلّقه»به.
الرّابعة: إنّ قيودَ الخطابات هي علی وتيرة واحدة، فلايجوز تخصيص بعضِها، بل تنبغي المواجهة مع کلّها علی طريقة واحدة.
الخامسة: إنّ مقام الجعل ومقام الإمتثال يختلفان من جهات، و منها إمکان وقوع التّزاحم بين الحکمين في الثّاني وعدم جواز التّوارد في الأوّل.
والحاصل: أنّ الأفروضات الّتي يمکن أن تعدّ کمبادئ للنظريّه في الواقع، أکثر مماصرّح به خلال المقدّمات السّبع، علی المبنی. 


[1]  تهذيب الأصول، تقرير بحث السيد روح الله الخميني، الشيخ جعفر السبحاني، ج2، ص338ـ339.
[2] مناهج‏ الوصول، السيد روح الله الخميني، ج2، ص28.