41/06/14
موضوع: التعارض/ أحكام التعارض / (الاحتمالات المتصوّرة في حال التعارض).
القول الأول : الأصل عند التعارض هو التساقط ، ذهب إليه مشهور المتأخرين ، وقد اُستدل له بوجوه :
الوجه الثاني : ما أفاده المحقق الأصفهاني (قدّه) في نهاية الدراية على ما حكي عنه ، وحاصله :
أنّ الاحتمالات المتصوّرة في حال التعارض أربعة ، وهي :1- أن يكون أحدهما لا بعينه حجّة ، فإنّه إذا علمنا بكذب أحدهما لا بعينه صارت الحجّية أيضاً أحدهما لا بعينه .2- أن تكون الحجّة ما يكون مطابقاً للواقع .3- أن يكون كلّ منهما حجّة .4- عدم حجّية كليهما ، وهذا هو المتعيّن [1] . [2]
ويرد عليه :أولاً : إمكان اختيار الاحتمال الأول وهو حجّية أحدهما غير المعيّن ، ولا يلزم ما ذكره من إشكال ، وذلك لأنّ الحجّية هي حكمٌ ظاهري وليست وصفاً ، والأحكام تتعلق بالعناوين الذهنية بما هي حاكية عن الواقع الخارجي ، ولا يمكن أن تتعلّق بالوجود الخارجي مباشرةً ، وإلاّ ففي مثل قوله : " أقم الصلاة " هل يتعلّق الوجوب بالصلاة الذهنية أو الخارجية ؛ فإن قيل تتعلّق بالصلاة الخارجية فهذا يعني أنّ على المكلّف أن يصلي أولاً ليتعلّق وجوب الصلاة بها ؛ إذ لا وجود لها خارجاً إلاّ إذا تلبّس بها المكلف فعلاً ، وبعد أداء الصلاة نسأل هل أنّ ما أتى به يكفي لامتثال الوجوب العارض عليها أثناء أدائها أو يجب على المكلّف أن يصلي مرةً أخرى الصلاة الذي دعا إليها الوجوب ؟
وكلا الاحتمالين باطلان ، أمّا الأول فكيف يُكتفى بها مع كونها متقدمة في وجودها على الوجوب ، فهذا يعني أنّ الوجوب يدعو إلى إيجاد ما هو متقدم في وجوده عليه ، وهو مستحيل ، وأمّا الثاني فلأنّ دعوة الوجوب لإيجاد الصلاة مرةً أخرى غير متعلّقه يلزم تعدّد التكليف مع أنّ الوجوب لا دلالة فيه على التكرار كما حُقق في محله ، ولهذا فالأحكام ومنها الحجّية لا تعلّق لها بالوجود الخارجي ، بل بالوجود الذهني ، فلا مانع من الالتزام بحجّية أحدهما غير المعيّن ثبوتاً .وثانياً : إمكان اختيار الاحتمال الثاني ولا يلزم إشكال ، وذلك لأنّ المتعارضين لهما حالات ، منها أن يكون المتعارضان على وجه النقيضين ، كالوجوب واللاوجوب ، ومنها ما يكونا على وجه الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، كما إذا قامت البينة على حياة الابن في زمان موت أبيه ثمّ مات بعده ليرث الحفيد ، وقامت بينة أخرى على وفاته قبل وفاة أبيه ليمنع ميراث الحفيد ، فهنا لا ثالث لهما لأنّ الابن إمّا أن يكون حيّاً حال موت أبيه وإمّا أن يكون ميّتاً ، ولا حالة ثالثة .
وفي مثل هاتين الحالتين لا محالة نعلم بمطابقة واحدٍ منهما للواقع ؛ لأنّ الواقع لا يخلو عن أحدهما ، وطنّية كلّ وحد من البينتين لا يعني ظنيّة كلاهما، بل لا محالة أحدهما مطابقاً للواقع دون الآخر ، فأي مانع للالتزام بحجية ما يكون مطابقاً للواقع منها ، ومجرد عدم العلم به إثباتاً لا يمنع عن الالتزام به ثبوتاً .وهكذا لم نجد تقريراً وافياً للحكم بالتساقط .