41/04/20
موضوع: التعارض/ التخصص و الورود / أحكام الحكومة (الحكم الثالث).
ما مرّ معنا في قضية شاة سودة بنت زمعة المهزولة التي تُركت حتى ماتت ، وأنّ النّبي (ص) قال : " ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ( بجلدها) ؛ أي تذكّى" [1] .
فإنّ طاهر قوله (ص) : " أن ينتفعوا بجلدها " الانتفاع به بعد موتها ، وهذا الظهور ينفع في الحكم بجواز الانتفاع بجلد الميتة عموماً ، ويكون مفسراً لقوله (ع) : " الميتة ينتفع منها بشيءٍ ؟ فقال (ع) : لا " بأنّ المراد خصوص اللحم لدلالة تلك الرواية على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، ولكن حيث اتصل بهذا البيان قوله ( أي تذكّى) فيكون قرينة لإلغاء الظهور في جواز الانتفاع بجلد الميتة ، ويحوّل ظهورها إلى قرينة الدليل الحاكم على أنّ المراد أن تذكّى أولاً ثمّ ينتفع بجلدها ، وبالتالي فتصبح هذه الرواية لما روي عنه (ع) : " الميتة لا ينتفع منها بشيءٍ" ، وبالتالي فيكون ظهور الدليل المحكوم تابعاً لظهور الدليل الحاكم وتبعاً لذلك يكون موضوع الحجية ما آلت إليه قرينية الدليل المحكوم .
وأمّا مثال الدليل المحكوم المنفصل :ما روي عنهم (ع) : " أنّه لا يعيد الصلاة فقيه"[2] ، فإنّه بإطلاقه شاملٌ لما إذا كان الشكّ في الصلاة بين الركعة الثانية والركعة الثالثة ، حيث يصدق عليها مفاد لا يعيد الصلاة فقيه ، ولكن لمّا ورد عنهم (ع) : إعادة الصلاة في هذا المورد كما هو مفاد رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله (ع) وكانت قرينة منفصلة أدّت إلى إلغاء حجية رواية لا يعيد الصلاة فقيه في عموم حالات الشكّ بين الركعات ، وإن لم تؤثر على إلغاء ظهورها .
وبعد اتضح الفرق بين قرينة الحاكم المنفصل عن المتصل يبقى الدليل على أنّ الأول يلغي الظهور بينما الثاني يلغي الحجية ،
فيقال :
أولاً : تأسيس الأصل عند التعارض :
وقع الكلام في تأسيس الأصل عند التعارض بين الدليلين أو الأدلّة مع قطع النظر عن الأخبار العلاجية .وأمّا متى تظهر فائدته ، فيقول المحقق الخوئي (قدّه) :"لا يخفى أنّه لا ثمرة لتأسيس الأصل بالنسبة إلى الأخبار ؛ إذ الأخبار العلاجية متكفّلة لبيان حكم تعارض الأخبار ، ولا ثمرة للأصل مع وجود الدليل ، نعم الأصل يثمر في تعارض غير الأخبار ، كما إذا وقع التعارض بين آيتين من حيث الدلالة ، أو بين الخبرين المتواترين كذلك ، بل يثمر في تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية ، كما إذا وقع التعارض بين بيّنتين ، أو بين فردين من قاعدة اليدّ ، كما في مال كان تحت استيلاء كلا المدعيّين "[3] .
أقول :
لا ريب في وفاء الأخبار العلاجية في بيان حكم التعارض بين الأخبار الواردة في الشبهات الحكمية ؛ لكون موضوعها هو الاخبار المتعارضة على وجه الكلية فلا يشكّ في شمولها لمورد من الموارد المتعارضة حتى نحتاج إلى تأسيس الأصل المرجعي ، ولكن يمكن استثماؤ الأصل في الموارد التي ذكرها (قدّه) ، وهي :1- تعارض آيتين كريمتين من حيث الدلالة ، لاستحالة وقوع التعارض الحجتي بينهما ؛ لحجية جميع آيات القرآن الكريم من جهة صدوره وسنده، كما في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[4] مع قوله تعالى : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[5] وفرض عدم تفسير الثانية للأولى ، فهنا الأخبار العلاجية لا تنفع في حلّ التعارض بينهما ؛ لأنّ موضوعها تنافي الخبرين ، وهنا التنافي بين مدلول الآيتين لا الخبرين ، فمع عدم المكنة من إرجاع أحد الآيتين إلى الآخر فنحتاج إلى الأصل بلا ريب .
2- الخبران المتواتران إذا فرض تعارض مدلوليهما ؛ لاستحالة التنافي الصدوري بينهما بعد فرض تواترهما ، فإنّه لا ريب في صدورهما معاً فلا ريب في كون تنافيهما من حيث الدلالة والمؤدى ، وهنا أيضاً لا يمكن الرجوع إلى الأخبار العلاجية ، وذلك لسببين :
الأول : أنّ الأخبار العلاجية في بعض الموارد تفرض إسقاط أحد الخبرين والأخذ بالآخر ، وهذا إنّما يتمّ في أخبار الآحاد التي تحتمل عدم الصدور، ولا يمكن إجراوه في فرض تواترهما لليقين بالصدور .
الثاني : أنّ الأخبار العلاجية لها ظهورٌ في خبر الواحد ، فلا تشمل المتواتر .
3- تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية ، كالبينيتين ، وقاعدة اليدّ في موردين ، وذلك لنظر الأخبار العلاجية إلى الأخبار الواردة في الشبهات الحكمية ، فلا يشمل ما ورد في الشبهات الموضوعية .
هذا ولكن يمكن فرض استثمار الأصل المرجعي في غير هذه الموارد أيضاً .منها : تعارض الإجماعين .
ومنها : تعارض السيرتين ، كالسيرة العقلائية والسيرة المتشرعية على فرض عدم كشفها عن رواية وصلت إليهم .
ومنها : تعارض الشهرتين على القول بحجية الشهرة الفتوائية في نفسها .
ومنها : تعارض فتويا الفقيه ، أو تعارض النقل عنه .
ومنها : تعارض قولا الرجاليين في وثاقة وتضعيف الرواة .
إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي ينفع تأسيس الأصل في المتعارضين .