40/08/16
موضوع: التعارض/ التعارض غير المستقر / أدلّة قاعدة الجمع أولى من الطرح ومناقشتها
أدلّة قاعدة الجمع أولى من الطرح ومناقشتها :
ويمكن الجواب على الدليل بأن نقول : أنّ مقتضى الدليل وجوب العمل بالدليلين لإطلاق دليل الحجية ، في حين يمكننا القول بأنّه لا يجب العمل بالدليلين دائماً وفي كلّ الحالات ، وذلك لسببين :
الأول : الالتزام بالحجية المشروطة بأن لا يكون إطلاق دليلها موجباً لمورد التنافي وإلاّ لا دلالة لدليل الحجية عليه ، وليس ببعيد أن ندّعي هذه الدعوى ، للعلم بأنّ الأدلّة لا تشمل المتنافيات ، وهذا ما يجب أن ندرسه في بحث حجية الخبر .
الثاني : أنّه مع وجود التنافي فلا يتعين أن يكون الظهور في كلا الدليلين هو المراد الجدّي ، بل من المحتمل جدّاً أنّه لا مراد جدّي في أحدهما على الأقل ، كما لو احتملنا صدوره على نحو التقية أو نحوها ، وهذا يوجب افتقاد أحد شروط التعارض وهو بلوغ الدليلين مرتبة الحجية ، ومع احتمال عدم المراد الجدّي في أحد الدليلين فاللازم عدم حجيته ؛ لأنّ الأصل عند الشكّ في الحجية عدم الحجية ، ومعه لا يجب العمل بكلا الدليلين ليلزم الجمع بين مراديهما ولو بالتأويل والتصرّف .
الدليل الثاني لقاعدة الجمع :أنّ دلالة اللفظ على تمام معناه أصلية ، وعلى جزئه تبعية وعلى تقدير الجمع يلزم إهمال دلالته التبعية ، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدمه ، وهو إهمال دلالته الأصلية .
وتوضيحه :أنّ لكلّ خبرٍ مدلولٌ أصلي ومدلولٌ تبعي ، ومدلوله الأصلي هو دلالة لفظه على تمام معناه ، ومدلوله التبعي دلالة اللفظ على جزء معناه ، ففي مثل : ( ثمن العذرة سحت ) مدلوله الأصلي حرمة ثمن العذرة ، ومدلوله التبعي إطلاق العذرة على مدفوع كلّ حيوان سواء كان مأكول اللحم أو محرم الأكل ، واللازم بدواً العمل بكلا دلالته الأصلية والتبعية ، ولكن عندما يرد دليلٌ آخر يقول : ( لا بأس بثمن العذرة ) فله أيضاً مدلول أصلي ، وهو حلية ثمن كلّ عذرة ، وله مدلول تبعي ، وهو الشمول لكلّ عذرة ، وواضح أنّه بالجمع بينهما يلزم إهمال المدلول التبعي وهو الشمول لكلّ عذرة في كلا الدليلين ، أو أن نلتزم بإسقاط المدلول الأصلي في كلا الدليلين ، ولا ريب في أنّ إهمال المدلول التبعي للخبرين أولى من إهمال المدلول الأصلي ، وهو الحكمان بالجواز والحرمة ، وهذا يقتضي التصرف في الدلالة التبعية فنعدم ظهور الخطابين في الإطلاق ، ونقتصر على خصوص الدلالة الأصلية ، وهذا معنى الجمع أولى من الطرح .
ويرد عليه :
أولاً : لا دليل على أولوية إهمال الدلالة التبعية للدليل عن إسقاط جميع الدليل ؛ وذلك لأنّ المحذور المترتب على إسقاط الدليل الذي يهرب منه المستدل إن كان هو عدم الوقوع في مشكلة إسقاط أحد الدليلين أو كلا الدليلين فهذا ليس محذوراً للخصم ، بل هو ما ينادي به ويعتقد به ، وإن كان المحذور شيئاً آخر فلم يذكره المستدل فأين هو ؟
ثانياً : غالباً ما تكون الدلالة التبعية للدليل هو إطلاق الخطاب الذي به حصل التنافي بين الدليلين ، ومن الواضح أنّ الإطلاق دلالته عقلية بقرينة الحكمة ، وليس جزء المعنى الموضوع له اللفظ حتى تكون دلالة الدليل عليه دلالة على جزء المعنى .