الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

41/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الاجتهاد و التقليد/مسائل في الاجتهاد والتقليد / علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الخمسة عشر سنة – الردّ على الرواية الرابعة)

 

علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الخمسة عشر سنة):

الرواية الرابعة : ما رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، معاوية بن وهب في حديث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة فإن هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته"[1] .

ولا ريب في صحتها سنداً ، لوثاقة جميع رجالها ، و استدلّ بها بعض الفقهاء وعلى رأي المشهور ، كما فعل صاحب الجواهر (قدّه) .

ويرد عليه:

أولاً : أنّ هذا موقوفٌ على صحة استعمال ( الواو) في مكان العطف ، وقيام قرينة على إرادته منها ، والظاهر عدم الأمرين ، أمّا الأول فلعدم التشابه في المعنى بينهما ، فإنّ معنى (الواو) المعية بينما (أو) للترديد ، كما أنّ (الواو) لا تفيد الترتيب على المشهور ، بخلاف (أو) فإنّها تفيده على الظاهر ، ومع هذا الاختلاف والتباين في المعنى كيف يصبح استعمال أحدهما في مكان الآخر؟

ولكن ظاهر جمع من اللغويين إمكان استعمالها بمعنى (الواو) في موارد ؛ حيث ذهب النحويين إلى أنّ الواو قد تخرج عن معناها الأصلي في الاستعمال ، وهو الدلالة على مطلق الجمع إلى جملة من الاستعمالات الأخرى أشهرها أن تستعمل بمعنى حرف العطف (أو) ، ولكن حصروا ذلك في مواضعٍ ثلاثة :

الموضع الأول : أن تكون بمعناها في التقسيم ، إذ تقول : الكلمة اسم و فعل و حرف كما تقول : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ، وهذا ما ذهب إليه ابن مالك .

الموضع الثاني : أن تكون بمعناها في الإباحة ، كما ذهب إليه الزمخشري تقول : جالس الحسن والحسين فتكون بمعناها في إباحة مجالسة أحدهما .

الموضع الثالث : أن تكون بمعناها في التخيير ، ومنه قول الشاعر :

قالوا نأتِ فاختر لها الصبر والبكا

بحجة أنّه لا يجتمع الصبر مع البكاء ، ولذا قالوا صارت الواو نائبة عن (أو) ، كما قد ذكروا استعمال القرآن الكريم للواو نيابةً عن (أو) كما في الآيات التالية :

﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾[2] .

حيث أنّ المراد جزماً عداوة واحدٍ من هؤلاء تكفي لعداوة الله له ، فاستعملت الواو بمعنى (أو) .

قال تعالى : ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾[3] .

إذ من الواضح عدم توقف الضلال على اجتماع الكفر بهما جميعاً ، بل يكفي الكفر بأحدهما ، وهذا يدلّ على نيابة الواو عن (أو) .

قال تعالى : ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾[4] .

إذ من الواضح عدم إرادة الجمع ، بل التخيير ، فنابت الواو عن (أو) إلى غير ذلك .

فلمّا لا يمكن القول بأنّ الواو في كلام الإمام نيابة عن (أو) خصوصاً مع عدم إمكان الجمع والمعيّة ؛ إذ لا يمكن أن يتصّور تحقق البلوغ بالأربع عشرة وبالخمس عشرة معاً فوجب أن تكون الواو للنيابة عن (أو) .

وعليه : فلا مانع من كون (الواو) في الرواية بمعنى (أو) ، ولكن لا ترجع إلى محصّل .

ثانياً : ليس معنى (الأخذ) التكليف دائماً ، لأنّ الأخذ هو الإمساك ، وكما يصدق الإمساك مع الشدّة التي تتناسب مع التكليف ، كذلك يصدق مع اللين ، ومن هنا صحّ حمله على كليهما ، فتقول : أخذه بقوة ، وتقول : أخذه برفق ، فلو كانت الشدّة والكلفة مأخوذة في مفهوم الأخذ ؛ لكان قولنا : ( أخذه برفق) يتضمن التناقض ؛ لأنّه يصبح في قوة قولنا : ( أمسكه بشدّة برفق ) ، وهذا لا يعطي مضموناً صحيحاً .

هذا أهمّ روايات المشهور والتي عليها العمل بينهم ، وقد اتضح أنّه لم تثبت رواية واحدة من حيث السند والدلالة على رأي المشهور ، ولنأخذ بعض روايات أخرى تدلّ على البلوغ في غير الخامسة عشر .

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص167، أبواب باب عدم وجوب الصوم على الطفل والمجنون، واستحباب تمرين الولد على الصوم لسبع أو تسع بقدر ما يطيق ولو بعض النهار إذا أطاق أو راهق، ووجوبه على الذكر لخمس عشرة، وعلى الأنثى لتسع الا أن يبلغ بالاحتلام أو الانبات قبل ذلك فيجب الزامهما، باب29، ح13300، ط الإسلامية.
[2] القرآن المجید، سورة: البقرة، الآية : 98.
[3] القرآن المجید، سورة : النساء، الآية : 136.
[4] القرآن المجید، سورة : النساء، الآية : 3.