45/11/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / النهي عن الوصف الملازم
آخر ما بقي من الأبحاث التمهيديّة هو النهي عن الوصف الملازم.
وبالنسبة إليه ينبغي أن نلتفت إلى أنّ المراد منه ليس ما لا يمكن انفكاكه عن الجزء، إذ من المعلوم أنّه لا يعقل الأمر بالشيء والنهي عن لازمه غير المنفكّ عنه، فإنّه راجع إلى النهي عن الجزء، وإنّما المراد منه هو ما يكون كالجهر والإخفات وصفاً للجزء نفسه، لا وصف ما يلازم الجزء، كالغصبيّة الملازمة للكون الذي ليس جزء الصلاة وإن تلازم أجزاءها.
وبالنظر إلى هذه الملاحظة، نقول: لا يمكن الالتزام بما ذكره المحقّق الخراساني في سراية النهي من الوصف الملازم إلى الموصوف، لأنّ المفروض أنّ المأمور به هو ذات الموصوف كالقراءة، لا ذاته مقيّداً بوصف كالجهر، فلا مانع من تعلّق الأمر بالقراءة وتعلّق النهي بالجهر بالقراءة، ولا يلزم من ذلك اتّحاد متعلّقي الأمر والنهي، وبما أنّ قصد القربة يتحقّق بجزء العبادة لا بوصفها فلا إشكال من هذه الجهة في العبادة.
وعليه فإنّ دعوى المحقّق الخراساني من أنّ النهي عن الجهر بالقراءة يعني النهي عن القراءة الجهريّة، ليس بدعوىً صحيحة، ولا فرق من هذه الجهة بين الوصف الملازم والوصف غير الملازم.
فإذا لم يكن أمر بالإخفات في القراءة، فالصلاة صحيحة حال الجهر في القراءة وإن كان المصلّي عصى النهي عن الجهر، إذ كما أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، فكذلك النهي عن الشيء لا يقتضي الأمر بضدّه الخاصّ، وإن كان الضدّان من قبيل الضدّين اللذين لا ثالث لهما. ولكن إذا كان هناك أمر بالإخفات في القراءة، فبما أنّ الوصف المأمور به لم يؤت به في صورة الجهر، فعليه أن يكرّر القراءة إخفاتاً وإذا لم يخلّ هذا التكرار بصحّة الصلاة، فلا وجه لفسادها.
وإذا قرأ جهراً وترك الإخفات على الرغم من النهي عن الجهر والأمر بالإخفات، فقد ارتكب معصيتين، ولكن صلاته صحيحة، لأنّ المفروض أنّ جزء الصلاة هو مجرّد القراءة لا القراءة المقيّدة بالإخفات.
ولكنّ المحقّق الاصفهاني قال في توجيه كلام المحقّق الخراساني[1] : إنّ الجهر والإخفات هما شدّة وضعف للكيف المسموع ـ أي القراءة ـ وكما أنّ الشدّة والضعف في السواد قائمان بالسواد نفسه ولا ينفكّان عنه، فكذلك الحال في الكيف المسموع، حيث لا يمكن تفكيك الشدّة والضعف عنه، وعليه فإنّ النهي عن الجهر والإخفات راجع إلى النهي عن القراءة الجهريّة والإخفاتيّة.[2]
ولكن يشكل هذه الدعوى بأنّه اعتبر القراءة من الأعراض ومن مقولة الكيف المسموع، بينما الذي يندرج في الأعراض وتحت الكيف المسموع هو الصوت وهو عبارة عن ارتعاش الهواء، والجهر والإخفات يعنيان شدّة الصوت وضعفه لا شدّة القراءة وضعفها. وأمّا القراءة بمعنى الاسم المصدري فهي عبارة عن مجموعة اعتباريّة من أصوات معيّنة تخرج من الفم ولا معنى للشدّة والضعف فيها، ولذلك فإنّ لحاظ الأُمور والشروط المعتبرة فيها بيد الشارع، وعليه فلا مانع من أن تكون القراءة بهذه المعنى متعلّقاً للأمر ويكون الجهر أو الإخفات متعلّقاً للنهي.