بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / نقد الأقوال و نظر الأستاذ في النهي في العبادات

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ المحقّق الاصفهانيّ ذهب إلى فساد العبادة حال تعلّق النهي بشرطها، وأمّا المحقّق النائينيّ والسيّد الخمينيّ فلم يعتبرا ذلك سبباً لفسادها.

غير أنّ السيّد الخوئيّ أشكل على دعوى المحقّق النائينيّ بأنّه لا فرق بين الشرط وبين الجزء اللذين تعلّق بهما النهي، فكما أنّ تعلّق النهي بالجزء يسبّب تقيّد العبادة بفرد غير الفرد المشتمل على ذلك الجزء، فكذلك الحال في تعلّق النهي بالشرط أيضاً، وما ذكره المحقّق النائينيّ من أنّ الذي يتعلّق به النهي هو الشرط بالمعنى المصدري وما يكون شرط العبادة فهو الشرط بمعنى اسم المصدر، فإن كان مراده منه أنّ متعلّق النهي هو المقدّمة ـ كالوضوء ـ والشرط هو ما يترتّب على المقدّمة ـ كالطهارة ـ فجوابه أنّ المعنى المصدري واسم المصدر متّحدان وجوداً، واختلافهما إنّما هو بالاعتبار، أي أنّ المعنيين لحاظان لشيء واحد ـ كالوجود والإيجاد ـ فإذن لا يُعقل أن يكون أحدهما متعلّق النهي والآخر متعلّق الأمر، بينما ليست العلاقة بين المقدّمة والأثر المترتّب عليها كعلاقة المصدر واسم المصدر، لأنّ العلاقة بين المقدّمة وأثرها هي العليّة المستلزمة للاثنينيّة.

وإذا كان مراده أنّه إذا أخذنا ما يكون شرطاً للعبادة ـ كالتستّر ـ بلحاظ نسبته إلى الفاعل ـ أي المعنى المصدري ـ فهو متعلّق النهي، وإذا أخذناه بما هو هو ـ أي بمعنى اسم المصدر ـ فهو متعلّق الأمر، فيشكل ذلك بما تقدّم من أنّ تعدّد اللحاظ لا يوجب تعدّد الوجود، ولا يمكن للشيء الواحد باعتبار اللحاظين أن يكون متعلّقاً للأمر في عين تعلّق النهي به.

وعليه فإنّ النهي عن التستّر بساتر معيّن في الصلاة لا بدّ وأن يسبّب تقييد دليل الصلاة بأفراد غير مشتملة على هذا التستّر.

نعم، هناك فرق بين الشرط والجزء، وهو أنّ الجزء لكونه متعلّقا للأمر بنفسه، فلا يجزي إتيانه في العبادة من دون قصد القربة، ولكنّ الشرط لخروجه عن العبادة وعدم تعلّق الأمر به ولأنّ الداخل في العبادة هو التقيّد به، فلا مدخليّة لقصد القربة في إتيانه، ولذلك تصحّ عبادة من يراعي شرط العبادة غافلاً عن حصوله، ولكن هذه الجهة لا تغيّر ممّا تقدّم شيئاً.[1]

وعلى هذا يمكن تقسيم الأقوال في المسألة إلى ثلاثة: 1 ـ عدم تعلّق النهي بالعبادة بواسطة تعلّق النهي بشرطها، وهي دعوى المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني والسيّد الخميني، 2 ـ تعلّق النهي بالعبادة بواسطة تعلّق النهي بشرطها وهي دعوى المحقّق الإصفهاني، 3ـ سببيّة تعلّق النهي بشرط العبادة لأن تكون العبادة مأخوذة بشرط لا بالنسبة إلى الشرط، وهي دعوى السيّد الخوئيّ.

لكن الحقّ أن نقول بالتفصيل في المسألة.

بيانه: أنّ النهي إذا تعلّق بالشرط بما هو هو لا بما أنّه شرط العبادة ـ كما لو نهى الشارع مطلقاً عن لبس ثوب معيّن ـ ثم أُتي بالعبادة بهذا الشرط، فالحقّ في هذه الصورة ما ذهب إليه القائلون بعدم فساد العبادة، وكون شرط العبادة بما هو هو منهيّاً عنه لا يدلّ على مبغوضيّة العبادة، إذ الجهة التي سبّبت تعلّق النهي به لا علاقة لها بالجهة العباديّة، وكما تقدّم في مبحث اجتماع الأمر والنهي فإنّ الشيء الواحد قد يكون مطلوباً من جهة ومبغوضاً من أُخرى، وعليه فيمكن الالتزام بأنّ التستّر بذلك الساتر مبغوض من حيث إنّه لبس ولكنّه مطلوب من حيث تحقّق التستّر الصلاتيّ به، وبما أنّه لا يشترط فيه قصد القربة فلا وجه لفساد الصلاة به.

أمّا إذا تعلّق النهي بالشرط بما هو شرط للعبادة ـ كما لو نهى الشارع عن لبس الحرير في الصلاة ـ فالحقّ في هذه الصورة ما ذهب إليه القائلون بفساد العبادة، إذ النهي في هذا الفرض تعلّق بمتعلّقه من الجهة التي تعلّق به الأمر أيضاً، فإنّ الأمر بالمقيّد بالمبغوض في هذه الصورة يكون كالأمر بالمبغوض.

إذن علينا أن نقول في هذا الفرض بما قال به المحقّق الإصفهاني من أنّ تعلّق النهي بالشرط هنا راجع إلى تعلّق النهي بالعبادة.

بل ربّما أمكن القول بأنّ التفصيل المذكور موجود في كلمات هؤلاء الأعاظم أيضاً، لأنّ السيّد الخمينيّ يقول بعدم فساد الصلاة في صورة تعلّق النهي بالتستّر المعيّن، وصحّح الميرزا النائيني أيضاً الصلاة حال حرمة لبس معيّن، بينما يقول السيّد الخوئي بفساد الصلاة في صورة النهي عن التستّر بساتر معيّن.

غير أنّه لا تصحّ دعوى السيّد الخوئيّ من أنّ تعلّق النهي بشرط العبادة راجع إلى أخذ العبادة بشرط لا بالنسبة إلى ذلك الشرط، والوجه في ذلك عين ما تقدّم في تعلّق النهي بجزء العبادة. والعجب أنّه خالف المحقّق النائيني في تعلّق النهي بجزء العبادة ولم يعتبره سبباً لأخذ العبادة بشرط لا بالنسبة إلى الجزء المنهيّ عنه، ولكن قال في تعلّق النهي بالشرط: إنّ تعلّق النهي به كتعلّق النهي بالجزء يسبّب أن تكون العبادة مأخوذة بشرط لا بالنسبة إلى المنهي عنه!

هذا؛ وقد يشكل على التفصيل المتقدّم بأنّ إطلاق النهي في الفرض الأوّل يشمل النهي عنه حال الصلاة أيضاً، وعليه فلا فرق بين تعلّق النهي بما هو هو وتعلّقه بما هو شرط للعبادة.

ويمكن دفع هذا الإشكال بأنّ هذا إنّما يصحّ إذا اعتبرنا الإطلاق بمعنى جمع القيود حيث إنّ شمول إطلاق النهي عن الشرط بما هو هو للستر حال الصلاة يعني لحاظ تقيّد الستر بهذا القيد والنهي عنه. أمّا إذا اعتبرنا الإطلاق بمعنى رفض القيود ـ وهو الحقّ ـ فشمول إطلاق النهي للستر حال الصلاة معناه عدم لحاظ تقيّد الستر بهذا القيد، وعليه فلا وجه لتعلّق النهي بالصلاة مشروطة بهذا الستر، لأنّ الأحكام لا تتعلّق بما لم يكن ملحوظاً حين جعلها.

فإن قيل: فلماذا قلتم في تعلّق النهي بالجزء أنّ النهي إذا تعلّق بفعل بما هو هو، فإطلاقه يشمل إتيان العمل بعنوان جزء العبادة أيضاً؟

فالجواب: أنّه لا يراد ممّا تقدّم في تعلّق النهي بجزء العبادة أنّ النهي إذا تعلّق بفعل ما، فهذا يوجب تعلّق النهي بالعمل مقيّداً بأن يؤتى ضمن العبادة أيضاً حتّى يرجع الأمر إلى النهي عن العبادة التي يؤتى بالعمل بعنوان جزء لها، وإنّما المراد أنّ إطلاق النهي يسبّب النهي عن العمل ولو أُتي به بعنوان جزء العبادة، فلا يمكن قصد القربة به، بينما يکون الحال في شرط العبادة أنّ العبادة لا تشكل من هذه الجهة، لعدم اعتبار قصد القربة في الشرط.


[1] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج4، ص156.