45/11/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الأصل في العبادات و المعاملات
تقدّم في الجلسة السابقة أنّ جريان الأصل في المسألة الأوّليّة مبنيّ على جريان استصحاب العدم الأزليّ فيما إذا كان البحث عن الملازمة اللفظيّة.
غير أنّ الإشكال الرئيسيّ الوارد على هذا الأصل هو أنّه حتّى على فرض تماميّة أركان الاستصحاب، فبما أنّ المستصحب ـ أي الملازمة بين حرمة المنهيّ عنه وفساده ـ لا يترتّب عليه أثر شرعيّ ويكون فساد المنهيّ عنه في هذه الحالة بحكم العقل، فلا يمكن إجراء الاستصحاب.
وأمّا بالنسبة إلى المسألة الفرعيّة فالأصل في المعاملات ـ كما ذكر المحقّق الخراساني ـ يقتضي الفساد، إذ مع الشكّ في أنّ الشارع هل أمضى أثر المعاملة أو لا، يجري أصل عدم إمضاء أثر المعاملة، كما أنّ الأصل في المعاملات التأسيسيّة هو عدم جعل الأثر عليها.
ثمّ إنّه يظهر من كلمات المحقّق الاصفهانيّ في العبادات، أنّ المحقّق الخراساني كان قد فصّل في المسألة في بعض نسخ الكفاية وصحّح ما دوّنه فيما بعد[1] ، وإن كانت النسخة التي عندنا خالية منه.
والتفصيل موجود في كلمات المحقّق النائينيّ حيث فصّل بين الشبهة الموضوعيّة والشبهة الحكميّة[2] ، والحال ـ كما ورد في كلمات المحقّق الإصفهانيّ[3] ـ أنّ محلّ الكلام فيما إذا سلّم بأصل ورود النهي، وعليه فلا توجد شبهة موضوعيّة أو حكميّة، كما أنّه لا وجه في المسألة لأيّ تفصيل آخر إذا كان مسبّباً عن الشكّ في ورود أصل النهي.
غير أنّ المحقّق الاصفهانيّ قال في بيان الأصل في المقام: «إنّ الصحّة ـ بمعنى موافقة المأتيّ به للمأمور به من حيث الملاك ـ قطعيّة الثبوت؛ لأنّ المفروض تعلّق النهي بالعبادة لا ببعض العبادة، فالمنهيّ عنه مستجمع لجميع الأجزاء والشرائط الدخيلة في الملاك وإنّما المشكوك منافاة التقرّب ـ المعتبر في العبادة ـ مع المبغوضيّة الفعلية، ومع عدم استقلال العقل بالمنافاة أو بعدمها، لا أصل يقتضي أحد الأمرين.
نعم، الأصل في المسألة الفرعيّة الفساد، لاشتغال الذمّة بالعبادة المقرّبة، ومع الشكّ في صدورها قربيّة لا قطع بفراغ الذمّة، فيجب تحصيل الفرد الغير المبغوض بالفعل.
هذا بناءً على أنّ المسألة عقليّة.
وأمّا بناءً على كونها لفظيّة فالنزاع في ظهور النهي في الإرشاد إلى المانعية، فمع الشكّ لا أصل في المسألة الأُصوليّة.
وأمّا في المسألة الفرعيّة فحيث إنّ المفروض حينئذٍ عدم منافاة الحرمة المولويّة للعباديّة، وعدم الحجّة على المانعيّة، ووجود الإطلاق ـ ولذا لو لم يكن نهي لما شككنا في فساد العبادة ـ فالأصل حينئذٍ هو الصحّة دون الفساد.»[4]
ولكنّ الذي ادّعاه بناءً على كون المسألة عقليّة من مفروغيّة وجود ملاك العبادة في المنهيّ عنه، ليس بصحيح، لأنّ المراد من تعلّق النهي بالعبادة ليس وجود الملاك فيه مع تعلّق النهي به في نفس الوقت، وإنّما المراد أنّ العبادة بغضّ النظر عن وجود النهي خالية عن الإشكال، كالصيام حال السفر الذي لا يشتمل على ملاك العبادة أبداً، لا أن يكون إشكاله من حيث عدم إمكان قصد القربة بالفعل المُبعّد على الرغم من امتلاك ملاك العبادة.
بل إنّ قصد القربة دخيل في ملاك العبادة ومع الشكّ في إمكان قصد القربة أو عدمه، فلا وجه للقطع بثبوت الملاك للعبادة المنهيّ عنها.
علاوة على أنّه حتّى في المسألة الفرعيّة بما أنّ الشكّ في وجود المانعيّة للتقرّب بالعمل، فإذا قلنا بجريان استصحاب العدم الأزليّ فيمكن إثبات عدم المانع من العبادة بالتمسّك به، ولا يأتي الدور على قاعدة الاشتغال.
وللكلام تتمّة سنذكرها في الجلسة القادمة إن شاء الله.