45/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / تأسيس الأصل في موارد الشكّ في الصحّة والفساد
في سياق البحث في کون الصحّة والفساد جعليّين أو واقعيّين، ذهب المحقّق النائينيّ إلى أنّ الصحّة في موارد الأحكام الواقعيّة الأوّليّة والثانويّة تكون من الأُمور الانتزاعيّة، وفي موارد الأحكام الظاهريّة تكون مجعولاً شرعيّاً.
وقال في بيان هذا المبنى: الملاك في صحّة العبادات وفسادها هو انطباق المأتيّ به على المأمور به في الخارج وعدم انطباقه، وتعني الصحّة والفساد في المعاملات انطباق الكلّي الطبيعيّ أو عدم انطباقه على الموجود الخارجيّ، ومن المعلوم أنّ انطباق الكلّي الطبيعيّ على ما في الخارج أمر تكوينيّ ولا يمكن جعله شرعاً.
فجعل الملكيّة وأمثالها من الأحكام الوضعيّة حين صدور أسبابها الخاصّة وإن كان بيد الشارع ولكن هذه الأسباب لا تتصّف في مقام الجعل بالصحّة والفساد، وإنّما المتّصف بهما هو الموجود الخارجيّ باعتبار انطباقهما عليه في الخارج أو عدمه.
ويُعلم بما تقدّم في باب الإجزاء من أنّ المأمور به الواقعيّ الثانوي يستحيل أن لا يجزي عن المأمور به الواقعيّ الأوليّ أنّ الصحّة في موارد الأوامر الواقعيّة الثانويّة بالنسبة إلى الأوامر الواقعيّة الأوليّة أيضاً لا يمكن جعلها.
أمّا الصحّة والفساد في الأوامر الظاهريّة بالنسبة إلى الأوامر الواقعيّة الأوّليّة، فهي مجعولة قبل كشف الخلاف وبعده، فقبله وإن كان انطباق المأتيّ به على المأمور به الواقعيّ مشكوكاً وكان مقتضى القاعدة الأوّليّة هو الاشتغال والحكم بعدم ترتيب آثار الانطباق، غير أنّ للشارع أن يحكم بالانطباق بمقتضى الأصل أو الأمارة، وفي هذه الصورة يتعبّد المكلّف بترتيب آثار الصحّة في مقام العمل، كما أنّ للشارع أن لا يحكم بالانطباق، فيلزم اتّباع حكم العقل بالاشتغال وعدم ترتيب آثار الانطباق، ولا يعني ذلك إلا مجعوليّة الصحّة والفساد.
كما أنّ للشارع حتّى بعد كشف الخلاف أن يکتفي بالمأتيّ به الناقص ويفترضه مطابقاً للمأمور به وله أن لا يكتفي به، فالصحّة والفساد في هذا الفرض مجعولان شرعيّان.
علماً بأنّ حكم الشرع بالصحّة بعد كشف الخلاف لن يكون حينئذٍ من الأحكام الظاهريّة البحتة، وإنّما هو حدّ وسيط بين الأحكام الظاهريّة والأحكام الواقعيّة الثانويّة، بمعنى أنّه من الأحكام الظاهريّة من حيث أخذ الشكّ في موضوعه، وشبيه بالأحكام الواقعيّة الثانويّة من حيث إنّه يوجب فراغ ذمّة المكلّف من التكليف الواقعيّ ولو بعد كشف الخلاف.[1]
ولكن يُعلم الجواب على هذه الدعوى ممّا تقدّم، لأنّ الأحكام الظاهريّة ـ كما قال المحقّق الإصفهانيّ والسيّد الخمينيّ ـ لا يحكم الشارع فيها بالصحّة، وإنّما يحكم بترتّب آثار الصحّة ممّا يعني الحكم بانطباق المأتي به على المأمور به الواقعيّ، وبعد حكمه تُنتزع الصحّة من هذا الانطباق. بل ـ وكما تقدّم عن السيّد الخمينيّ ـ إنّ جعل الصحّة بمعنى انطباق المأتي به على المأمور به مستحيل عقلاً في الأحكام الظاهريّة من دون رفع اليد عن الشرطيّة والجزئيّة.
وعليه يمكن القول بأنّ الصحّة والفساد في العبادات وكذا في المعاملات مطلقاً ـ سواء كانت كلّية أو شخصيّة ـ واقعيّان غير جعليّان.
المطلب الثامن: تأسيس الأصل في المسألة
قال المحقّق الخراسانيّ في مقتضى الأصل في المسألة: أنّه لا يوجد أصل يمكن التمسّك به في المسألة الأُصوليّة في موارد الشكّ في الصحّة والفساد، وإن كان مقتضى الأصل في المسألة الفقهيّة الفرعيّة هو فساد المعاملة فيما إذا لم يكن إطلاق أو عموم يقتضي صحّتها. وكذا يقتضي الأصل في النهي عن العبادات فسادها، إذ لا أمر بالعبادة مع وجود النهي عنها.[2]
والحقّ ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ من عدم وجود أصل في المسألة الأُصوليّة، سواء كان البحث في المسألة عن ملازمة عقليّة أو ملازمة لفظيّة.
أمّا بالنسبة إلى الأوّل فإنّ وجه عدم الأصل هو أنّ الملازمة العقليّة لا يكون لها حالة سابقة متيقّنة ولا حالة لاحقة مشكوكة، بل إذا شكّ فيها فالشكّ في وجود التلازم سابقاً ولاحقاً، وإن عُلم وجود التلازم سابقاً، فلا معنى للشكّ فيه في زمان لاحق.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني فعلى الرغم من عدم الملازمة قبل دلالة اللفظ على النهي ولكنّ البحث في المقام ليس في الدلالة الالتزاميّة لمجرّد اللفظ، وإنّما عن الدلالة الالتزاميّة للفظ الدالّ بالمطابقة على التحريم، إذن يكون عدم المستصحب في الزمان السابق لعدم الموضوع له، ويتوقّف جريان الاستصحاب على حجيّة استصحاب العدم الأزليّ.
ويرد على هذا الاستصحاب إشكال آخر أيضاً سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله.