بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الصحة و الفساد في المعاملات

 

تقدّم في الجلسة الماضية أنّ إشكال السيّد الروحاني لا يرد على دعوى المحقّق الإصفهانيّ.

غير أنّه لا يمكن الالتزام بمقالة المحقّق الإصفهانيّ بأنّ المعاملات ليست كالأحكام التكليفيّة التي تتّصف بها موضوعاتها قبل تحقّقها خارجاً وما لم تتحقّق معاملة في الخارج لم يرتّب العرف ولا الشرع اعتبار الأثر عليها، ويُعلم جوابه ممّا أجبنا به على إشكال السيّد الروحانيّ، بمعنى أنّ الذي يُعتبر هو الأثر الذي يترتّب على كلّي العقد بشرط وجوده في الخارج، لا الأثر المترتّب على المصداق بلحاظ مشخّصاته ومميّزاته بنحو تكون للمشخّصات الخارجيّة مدخليّة في ترتّب الأثر.

علماً بأنّه وإن صحّ أنّ أمر الاعتبار دائر مدار الوجود والعدم ويستحيل الأمر الاعتباريّ الفاسد في عالم الاعتبار، ولكن نجد من جهة أُخرى أنّ الصحة والفساد يُنسبان عرفاً إلى المعاملات الكلّيّة أيضاً، فمثلاً يُبحث عن أنّ بيع وقت النداء أو البيع الغرريّ فاسد أم صحيح؟

ولذلك يمكن في المعاملات الإمضائيّة أن ندّعي بأنّ الصحّة تُنتزع من الإمضاء الشرعيّ للمعاملة من قبل الشارع، لأنّ مفعول إمضاء الشارع في هذه المعاملات ليس ترتيب الأثر عليها، وإنّما يترتّب أثرها بواسطة العقلاء، وما يمضيه الشارع فهو فعل العقلاء لا أثر المعاملة. فالصحّة تُنتزع في هذه المعاملات من النسبة الموجودة بين فعل العقلاء، أي اعتبار الأثر على المعاملة، وبين فعل الشارع، أي إمضاء فعل العقلاء.

والحال في المعاملات التأسيسيّة ـ على فرض وجودها في الشرع ـ أنّ الذي يقوم به الشارع هو ترتيب الأثر على المعاملة واعتبارها في عالم الاعتبار العقلائيّ والصحّة لا يكون لها معنىً في هذه المعاملات إلا جعل الأثر الذي يكون أمراً حقيقيّاً على خلاف الأثر الاعتباريّ نفسه.

فإن قيل: لو فرض وجود معاملات تأسيسيّة شرعيّة فلا وجه للحديث عن الصحّة والفساد في كلّيّها، إذ المفروض وجود دليل على تأسيس الشارع للمعاملة، ومعه فلا وجه لدوران المعاملة المذكورة مدار الصحّة والفساد.

فالجواب: أنّ الصحّة والفساد في هذه المعاملات إنّما يكون له معنىً محصّل فيما إذا أسّس الشارع أصل المعاملة في دليل عامّ، ونهى في دليل خاصّ عن بعض مصاديقها حيث يمكن في هذه الصورة أن نبحث عن صحّة هذه المصاديق أو فسادها، بمعنى أنّ الأثر المعتبر من قبل الشارع للمعاملة المذكورة هل اعتُبر أيضاً في المصاديق المنهيّ عنها أيضاً أم لا؟

هذا، ولكنّ السيّد الخوئيّ أيضاً ذهب إلى أنّ الصحّة والفساد في المعاملات، اعتباريّان وفي العبادات، واقعيّان، واستدلّ عليه بأنّ الصحّة والفساد في العبادات ينتزعان من انطباق المأتيّ به على المأمور به، بينما الحال في المعاملات أنّ نسبة إمضاء الشارع وتأييده للمعاملات العرفيّة نسبة الحكم إلى موضوعه ـ على خلاف العبادات التي تكون نسبتها إلى حكم الشارع نسبة المتعلّق إلى حكمه ـ والموضوع في القضايا الحقيقيّة مفروض الوجود، فينحلّ الحکم بعدد أفراد موضوعه في الخارج، ولا معنى لاتّصاف المعاملة بالصحّة والفساد إلا ترتّب الأثر الشرعيّ عليها أو عدمه، والأثر الشرعيّ يترتّب على المعاملة الخارجيّة لا طبيعتها، ولذلك عندما يتحقّق بيع في الخارج مثلاً، يتحقّق موضوع أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ[1] أيضاً ويمكن الحكم بترتّب الأثر الشرعيّ عليه، وهذا الحكم مستفاد من الآية الشريفة، وتكون الصحّة في المعاملات أيضاً بهذا المعنى. إذن ينبغي الالتزام بأنّ الصحّة والفساد في المعاملات ـ على خلاف العبادات ـ أُمور جعليّة واعتباريّة.[2]

ولكن يُعلم إشكال هذه الدعوى ممّا تقدّم في الجواب على دعوى المحقّق الإصفهانيّ والسيّد الروحانيّ، لأنّ دعوى استحالة ترتّب الأثر على طبيعة المعاملة، غير صحيحة، وإنّما يترتّب الأثر على طبيعة المعاملة بشرط تحقّقها في الخارج، فصحّة المعاملات الجزئيّة الخارجيّة يكون من باب تطبيق الطبيعة الواجدة للأثر عليها، لا من باب وجود جعل شرعيّ للأثر بعدد المعاملات الجزئيّة الخارجيّة.

كما أنّ انحلال الحكم بعدد أفراد الموضوع في الخارج لا يراد منه وجود اعتبار شرعيّ بعدد الأفراد، وإنّما المراد انحلال الاعتبار الواحد بعدد أفراد الموضوع ممّا ينتج عن تطبيق طبيعة المعاملة على مصداقها الخارجيّ. وبعبارة أُخرى: ففرق بين أن يقال: هناك اعتبارات بعدد أفراد الموضوع في الخارج، وبين أن يدّعى: أنّ الاعتبار الواحد ينحلّ بعدد أفراد الموضوع في الخارج، والفرض الثاني ـ على خلاف الفرض الأوّل ـ ليس فيه تعدّد اعتبار.

إذن لا فرق بين الصحّة في المعاملات والصحّة في العبادات من حيث إنّ الصحّة في كليهما منتزعة من انطباق العنوان على الفرد.


[1] السورة بقره، الأية 275.
[2] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج4، ص143.