بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / إشکال السيّد الروحانيّ علی دعوى المحقّق الاصفهانيّ

 

استعرضنا في الجلسة السابقة دعوى المحقّق الاصفهانيّ من عدم اتّصاف المعاملات الكلّية بوصفي الصحّة والفساد.

غير أنّ السيّد الروحانيّ قال في الإشكال على هذه الدعوى: «ربط الأثر بالعقد أمر بيد الجاعل، ولذا يتصرّف به كيف ما يشاء. والمراد من منشئيّة العقد للأثر ليس مفهوم المنشئيّة بل واقعها، فإنّ مفهومها وإن كان أمراً انتزاعيّاً لكن واقعها أمر جعلي، نظير موضوعيّة الموضوع، فإنّ واقعها ليس إلا جعل الحكم عند تحقّقه وإن كانت هي انتزاعيّة، ولأجل ذلك يقال: إنّ إجراء الأصل في موضوعيّة الموضوع مرجعه إلى إجرائه في الحكم.

وبالجملة: فواقع الصحّة في هذه الموارد مجعول شرعي وهو ثبوت الأثر عند ثبوت العقد، وينتزع عنه منشئيّة العقد له وسببيّته كما ينتزع التمليك بلحاظ الملكيّة بالنسبة إلى الجاعل، وكانتزاع الإيجاد بلحاظ الفعل بالنسبة إلى الموجد.

وقد عرفت أنّ الغرض يتعلّق بما هو واقع الصحّة لا مفهومها، فإنّ الذي يقصد كونه مجرى الأصل هو الواقع لا المفهوم.»[1]

وينبغي الالتفات إلى أنّه لا يريد من الإشكال أنّ طبيعيّ المعاملة يقبل الاتّصاف بالصحّة والفساد، وذلك لأنّه أشكل على دعوى المحقّق الآخوند ـ من أنّ الصحّة إذا أُخذت بمعنى سقوط الإعادة والقضاء، ففي موارد إتيان المأمور به الظاهريّ أو الاضطراريّ تكون الصحّة التي يتّصف بها طبيعيّ الفعل من الأحكام المجعولة ولكنّ الصحّة التي يتّصف بها الفرد فهي من الأُمور الانتزاعيّة ـ وقال: هذه الدعوى نتيجة خلط متعلّقات الأحكام بموضوعاتها، لأنّ متعلّقات الأحكام هي الطبائع لا الأفراد، فيكون الحكم موجوداً في عالم الاعتبار، سواء يوجد له فرد في الخارج أم لا ، ولكن موضوعات الأحكام أُمور تؤخذ مفروضة الوجود في تحقّق الحكم، وعليه فلا حكم دون وجودها الخارجيّ؛ فمثلاً إذا لم يوجد عالِم في الخارج، فلا حكم بوجوب الإكرام المدلّل عليه بـ «أكرم العالم»، كما لا حكم بوجوب التقصير قبل السفر، وکذلك الحال في المعاملات، فالملكيّة مثلاً تترتّب على البيع الخارجيّ لا طبيعيّ البيع، ومعلوم أنّ نسبة سقوط القضاء إلى العمل هي نسبة الحكم إلى موضوعه لا متعلّقه، فلا يترتّب إلا على وجود العمل الخارجيّ.[2]

فمراده ممّا ذكره في الإشكال على دعوى المحقّق الإصفهاني هو أنّ ترتّب الأثر على المصاديق الخارجيّة للمعاملات أمر جعليّ وليس من باب تطبيق كلّي المعاملة على فرده، لأنّ كلّيّ المعاملة لا يشتمل على أثر، والأثر مختصّ بالمصاديق.

لكن لا يمكن الالتزام بهذه الدعوى، إذ يلزم منها وجود جعل شرعيّ بعدد مصاديق المعاملات، وهو واضح الفساد.

توضيحه: أنّ ترتّب الأثر على الموضوع وإن كان في فرض تحقّقه الخارجيّ، ولكنّه لا يعني نفي الأثر عن طبيعة الموضوع وترتّبه على المصاديق بحيث تكون للجزئيّات الخارجيّة لكلّ مصداق مدخليّة في ترتّب الأثر، وإنّما يعني أنّ الأثر يترتّب على الطبيعة نفسها بشرط تحقّقها ضمن مصداق في الخارج، وعليه فيمكن افتراض ترتّب الأثر على الطبيعة وانتزاع صحّة المصداق من إنطباق الطبيعة عليه.

وبذلك يتّضح الجواب على إشكاله على دعوى المحقّق الخراسانيّ أيضاً من عدم المعنی للصحّة في طبيعة المأمور به الظاهري أو الاضطراري، لأنّ سقوط القضاء مترتّب على طبيعة العمل الاضطراريّ أو الظاهريّ بشرط تحقّقهما الخارجيّ، وشرطيّة تحقّق الموضوع في الخارج لتحقّق الأثر لا تعني عدم ترتّب الأثر على طبيعته.

ثمّ إنّه يرد على دعوی المحقّق الإصفهانيّ إشكال سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج3، ص176.
[2] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج3، ص173.