45/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / جعل امر العدمی و عدم القضاء و الإعادة
تقدّم في الجلسة السابقة عن المحقّق الإصفهانيّ أنّ الصحّة في موارد سقوط الإعادة والقضاء لمطابقة المأتي به للمأمور به كما تكون انتزاعيّةً غير جعليّة، فكذلك في موارد سقوطهما بحكم الشارع بعدم الوجوب فيما لم يطابق المأتيّ به الاضطراريّ أو الظاهريّ المأمور به الواقعيّ الأوليّ.
والحقّ صحّة أصل ما ذهب إليه في ذلك من کون الصحّة في فرض الكلام وصفاً انتزاعيّاً غير مجعول شرعاً. نعم، ليس لجعل الأمر العدميّ معنىً محصّل ولا يمكن إنشاء عدم القضاء والإعادة وإنّما يمكن الإخبار به.
بيانه: أنّ الشارع عندما لا يجعل وجوب القضاء على الرغم من عدم مطابقة المأتيّ به للمأمور به الواقعي الأوّلي، فإنّ وصف الصحّة يُنتزع من النسبة بين المأتيّ به الظاهري أو المأتيّ به الواقعي الثانوي وبين عدم الجعل الشرعي لوجوب القضاء ـ أو بتعبير أدقّ من النسبة بين المأتيّ به والجعل الشرعيّ لوجوب القضاء بوصف عدمه ـ وحيثما جعل الشارع وجوب القضاء في فرض الكلام فيُنتزع وصف فساد المأتيّ به من النسبة بين المأتيّ به وجعل وجوب القضاء بوصف وجوده، ومنشأ الانتزاع في كلا الوصفين هي الأُمور الواقعيّة لا الاعتباريّة، لأنّ المأتيّ به وجعل الوجوب للإعادة أو القضاء بوصف الوجوب أو العدم كلّها أُمور واقعيّة.
وبعبارة أُخرى: فإنّه لا نسبة بين المأتيّ به وبين وجوب القضاء حتّى يكون أحد أطراف النسبة أمراً اعتباريّاً، وذلك لأنّ الوجوب مرتبط بالقضاء لا المأتيّ به، بل العلاقة والنسبة تكون بين المأتيّ به وجعل الوجوب للقضاء، ومن المعلوم أنّ جعل الوجوب من الأُمور الواقعيّة لا الاعتباريّة.
وأمّا ما ذكره السيد الروحانيّ من أنّ وجود النسبة بين المأتيّ به ووجوب القضاء ـ من حيث مدخليّة المأتيّ به في موضوع وجوب القضاء ـ يكفي لاعتبار صحّة المأتيّ به أمراً جعليّاً، فيرد عليه أوّلاً: أنّ المكلّف ليس جزء موضوع الحكم كما تقدّم. وثانياً: حتّى لو سلّمنا بمدخليّة المكلّف في موضوع الحكم فهذا يسبّب إيجاد نسبة بين المأتيّ به وبين وجوب القضاء ممّا ينتج عنه انتزاع الصحّة، واعتباريّة طرف النسبة الذي نشأ الانتزاع عنه لا تسبّب اعتباريّة المنتزع.
واستدلّ السيّد الخمينيّ على انتزاعيّة الصحّة في هذا الفرض بقوله: «جواز ترتيب أثر الصحّة أو وجوبه قابلان للجعل، لكنّه غير جعل الصحّة بنفسها، بل الظاهر أنّ جواز ذلك أو إيجابه بدون رفع اليد عن الشرط أو الجزء غير ممكن، ومعه يكون التطبيق قهريّاً، ولعلّ القائل بالجعل هاهنا خلط بين الأمرين.»[1]
ولكن ذلك مبنيّ على اعتبار الصحّة بمعنى مطابقة المأتيّ به للمأمور به حيث قبل المحقّق الخراسانيّ أيضاً في هذا الفرض بأنّ الصحّة لا تكون مجعولاً شرعيّاً. غير أنّ الصحّة إن اعتبرت بمعنى سقوط الإعادة والقضاء، فلن يلزم من جعل الصحّة رفع اليد عن الشرط أو الجزء.
3 ـ الإشكال الثالث الذي أورده المحقّق الاصفهانيّ على دعوى الآخوند الأخيرة كان في مجعوليّة الصحّة في المعاملات، وقال فيه: الصحّة في المعاملات وإن كانت بمعنى ترتّب الآثار عليها المتوقّف على الجعل الشرعيّ، ولكن جعل الشارع يتعلّق بترتيب الأثر على كلّي المعاملة لا على ترتيب الأثر على مصاديق المعاملات، وإنّما المصاديق يكون ترتيب الأثر عليها من باب تطبيق كلّي المعاملة الواجد للأثر الشرعيّ عليها وهو أمر عقليّ، ومعلوم أنّ الملكيّة وأمثالها من الأُمور الاعتباريّة ليست كالأحكام التكليفيّة التي تتّصف بها موضوعاتها قبل تحقّقها خارجاً، فما لم يتحقّق البيع في الخارج لم يكن أيّ اعتبار للملكيّة من قبل الشارع أو العرف ولم يتّصف العقد بالسببيّة لاعتبار الملكيّة. وينتج عن ذلك أنّ وصف الصحّة يتعلّق بمصاديق المعاملات الخارجيّة لا كليّ المعاملة الذي يتكفّل الشرع بجعل أثره.[2]
فيمكن بيان دعواه بأنّ الأمر في المعاملات الكلّيّة دائر مدار الوجود والعدم، ولا معنى للصحّة والفساد في هذه المعاملات، لأنّ المراد من المعاملة الكلّيّة الفاسدة هي التي لم يعتبرها الشارع ومن دون اعتباره لا سبيل لهذه المعاملة إلى عالم الاعتبار، فلا معنى لوجود معاملة فاسدة في عالم الاعتبار.
غير أنّ السيّد الروحانيّ أشكل على هذه الدعوى بما سندرسه في الجلسة القادمة إن شاء الله.