44/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / بحوث تمهيديّة في النواهي / عدم الفرق بين أفراد الطبيعة من حيث شمول التحريم
الثالث: عدم الفرق بين أفراد الطبيعة المنهيّ عنها الطوليّة والعرضيّة من حيث شمول التحريم
فرّق المحقّق النائينيّ بين أفراد الطبيعة المنهيّ عنها الطوليّة والعرضيّة من حيث شمول الحكم، فقال: إنّ شمول الحكم لأفراد الطبيعة المنهيّ عنها العرضيّة إنّما هو لغلبة النهي في موارد إرادة عدم الطبيعة مطلقاً.
وأمّا انحلال النهي بالنسبة إلى أفرادها الطوليّة وبقاء النهي في الآن الثاني بعد امتثاله في الآن الأوّل، يكون لأحد وجهين:
1 ـ أن يكون الزمان مأخوذاً في متعلّق الحكم؛ كما إذا حرّم شرب الخمر في كلّ زمان، ففي هذه الحالة حتّى لو انقضى الزمان الأوّل، فالشرب حرام أيضاً في الزمان الثاني.
2 ـ أن يكون الزمان مأخوذاً في الحكم، بمعنى أنّ حكم المتعلّق باقٍ في الأزمنة اللاحقة على الرغم من ترك الطبيعة في الآن الأول.
ولكن كلّما لم يقم دليل على أخذ الزمان في متعلّق الحكم، فبما أنّه لا معنى لتحريم الشيء بحيث يسقط بامتثاله آناً ما، فمقتضى دليل الحكمة هو عدم أخذ الزمان في الحكم وبقاؤه في الأزمنة اللاحقة.[1]
وقال السيّد الخوئيّ في تبيين دعوى المحقّق النائينيّ: الوجه في تفريق المحقّق النائينيّ بين الأفراد العرضيّة والأفراد الطوليّة للطبيعة أنّه أخذ النهي بمعنى طلب الترك، واعتبر الطبيعة التي تعلّق بها الطلب فانية في معنوناتها، فيكون معناه ترك كلّ فرد من الأفراد الخارجيّة. ولكنّه لم يقصد من فناء الطبيعة في المعنونات فناءها في جميع الأفراد في كافّة الأزمنة، وإنّما أراد فناء الطبيعة في الأفراد الموجودة في الآن الأوّل، لأنّها هي الأفراد المأخوذة حين تعلّق الطلب بالطبيعة.
ثمّ أشكل على هذه الدعوى قائلاً:
أوّلاً: إنّ مفاد النهي ليس طلب ترك الطبيعة، وإنّما اعتبار المولى لحرمان المكلّف من الطبيعة وإبراز هذا الاعتبار خارجاً بمبرز قوليّ أو فعليّ.
وثانياً: إنّ انحلال النهي بالنسبة إلى الأفراد الطوليّة والعرضيّة للطبيعة المنهيّ عنها ـ على أيّ معنى أُخذ في مفاد النهي ـ فهو مقتضى الإطلاق الثابت بمقدّمات الحكمة، ولا فرق بين هذه الأفراد من هذه الجهة. فكما يتوقّف انحلال الحكم بعدد أفراد الطبيعة في الأفراد العرضيّة على إطلاق الدليل، فكذلك في الأفراد الطوليّة أيضاً، فلا يتوقّف شمول الحكم لهم على أخذ الزمان في الحكم أو المتعلّق حتّى نحاول إثبات المورد الثاني بالأخذ بالإطلاق.
وثالثاً: لا معنى لأخذ الزمان في الحكم أو متعلّقه في أمثال هذه الموارد؛ لأنّ الزمان ظرف للحكم كالمكان ولا يحتاج لحاظاً زائداً، فإذا لم يقيّد المولى حكمه بزمان معيّن، فيثبت الحكم في جميع الأزمنة.
ولو سلّمنا أنّ شمول التحريم للأفراد الطوليّة يحتاج إلى أخذ الزمان في الحكم أو في متعلّقه، فينتج عن تماميّة مقدّمات الحكمة أخذه في المتعلّق لا في الحكم؛ لأنّ إطلاق المتعلّق وعدم تقييده بزمان معيّن يقتضي ثبوت الحكم للمتعلّق في كلّ زمان على نحو العموم الاستغراقيّ، بمعنى أنّه يثبت للمتعلّق في كلّ زمان حكم مغاير لحكم الزمان السابق، وهو المتفاهم عرفاً من عدم تقييد المتعلّق بزمان معيّن.
نعم، إنّ إطلاق المتعلّق في بعض الموارد يوجب تعيّن الأخذ بالإطلاق في ناحية الحكم على نحو العموم المجموعيّ، کما في مثل: ﴿أوفوا بالعقود﴾[2] وأمثالها؛ حيث وإن كان المستفاد عرفاً من إطلاقها عموم الاستغراق لجميع الأفراد الطوليّة والعرضيّة للعقود بنحو لا يرتبط وجوب الوفاء بالعقد الأوّل بوجوب الوفاء بالعقد الثاني، ولكنّ المستفاد عرفاً من الوفاء الذي تعلّق به الأمر هو العموم المجموعيّ لا الاستغراقيّ، إذ من الواضح أنّ الوجوب المتعلّق بالوفاء بكلّ فرد من أفراد العقد وجوبٌ واحد في جميع الآنات، لا أن يثبت للوفاء في كلّ زمان وجوب غير الثابت في الزمان السابق.
فما ذكره المحقّق النائينيّ من تسبّب دليل الحكمة بالأخذ بالإطلاق في ناحية الحكم ليس مطلقاً، وإنّما الغالب فيه هو المورد الأوّل.[3]
أقول: جواب إشكال السيّد الخوئيّ الأوّل على دعوى الميرزا النائينيّ في خصوص مفاد النهي هو ما تقدّم من أنّ مفاد النهي هو الزجر عن الطبيعة لا ما ذكره.
والجواب على دعواه الثانية أنّه تقدّم فيما سبق عدم اقتضاء إطلاق النهي لانحلاله إلى الأفراد الطوليّة والعرضيّة للطبيعة المنهيّ عنها، بل يكون تعلّق النهي عن الطبيعة على نحو العامّ المجموعيّ، بمعنى تعلّق نهي واحد بجميع الآنات والأحوال، وما انحلّ النهي بعدد أفراده فهو موضوع النهي لا متعلّقه.
كما يشكل ما ذكره في العموم الاستغراقي لقوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾؛ لأنّ شمول الحكم لجميع العقود على نحو العموم الاستغراقيّ هو نتيجة لعموم موضوع الحكم لا إطلاق متعلّقه، علماً بأنّه ذكر مثل ذلك في قوله تعالى: ﴿أحلّ الله البيع﴾[4] أيضاً حيث يمكن الالتزام بما ذكره من وجود العموم الاستغراقيّ المستفاد من الإطلاق بالنسبة إلى أفراد البيع في هذه الآية الشريفة، ولكنّه يعني انحلال الحكم بعدد أفراد طبيعة الموضوع لا بعدد أفراد طبيعة متعلّق الحكم.
على أنّ مراد الميرزا النائينيّ من اقتضاء دليل الحكمة لعدم أخذ الزمان في الحكم، ليس الأخذ بالإطلاق لتماميّة مقدّماته حتّى يشكل عليه بذلك، وإنّما مراده أنّ ضرورة عدم اللغويّة ـ وهو حكم عقليّ ـ يقتضي ترتّب الحكم على الأفراد الطوليّة لمتعلّق الحكم أيضاً، وإلا لزم منه كفاية اجتناب الطبيعة المنهيّ عنها آناً ما، ممّا يؤدّي إلى لغويّة جعل الحكم.
إذن يجب في الإشكال على مدّعى الميرزا النائينيّ أن نقول بأنّه لا معنى محصّل لأخذ الزمان في الحكم؛ لأنّ المجعول في القضايا الوجوبيّة والتحريميّة اعتباريّ، فلا يمكن دخل القيود غير الاعتباريّة كالزمان فيه، فيجب إذن أن تلحظ مدخليّة القيود في مرحلة ما قبل الجعل وفي ناحية الموضوع أو المتعلّق ثمّ يترتّب الحكم على المتعلّق.
قد انتهينا إلى هاهنا من أبحاث النواهي التمهيديّة، وسنشرع بالبحث الأوّل من المباحث الرئيسيّة منه المختصّ بجواز اجتماع الأمر والنهي في السنة الدراسيّة القادمة إن شاء الله.