بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / بحوث تمهيديّة في النواهي / عدم دلالة طبيعة النهي على جواز إتيان سائر أفراد الطبيعة

 

قال المحقّق الخراسانيّ في خاتمة كلامه: إذا عصي النهي وأُتي بفرد من أفراد الطبيعة المنهيّ عنها، فالنهي بنفسه لا يدلّ على جواز إتيان سائر أفراد الطبيعة كما لا يدلّ على لزوم تركها؛ لأنّ النهي لا يدلّ إلا على مطلوبيّة ترك الطبيعة وليس ناظراً إلى أفراد الطبيعة، فلزوم ترك جميع الأفراد إنّما هو بحكم من العقل. فإذا تحقّق العصيان، فمقتضى القاعدة أن يسقط طلب الترك بالعصيان، إلا إذا دلّ دليل آخر على لزوم ترك سائر أفراد الطبيعة المنهيّ عنها؛ كما لو كان متعلّق النهي مطلقاً من حيث مطلوبيّة الترك، فشمل جميع أفراد الطبيعة.[1]

أقول: مراده أنّه إذا أُتي بالطبيعة المنهيّ عنها في حالة معيّنة ـ كما لو وجد النهي عن إكرام الفاسق ولكن أُكرم فاسق معيّن في زمان معيّن ـ فهل يوجب ذلك رفع المحذور عن إتيان الطبيعة في سائر الحالات فلا يكون إكرام ذلك الفاسق بعدئذٍ متعلّقاً للنهي؟ أم ما زال النهي باقياً يعاقب على مخالفته؟ كما أنّ مراده من حكم العقل بلزم ترك جميع الأفراد ليس اختصاص كلّ فرد من أفراد الطبيعة بنهي خاصّ به حتّى يشكل بأنّ تحقّق العصيان في أحد الأفراد في هذه الصورة لا يؤدّي إلى سقوط النهي في سائر الافراد، بل المقصود أنّ العقل يحكم بأنّ امتثال النهي الواحد المتعلّق بالطبيعة يستلزم ترك الطبيعة في جميع الأحوال، فإذا أُتي بالطبيعة في حالة معيّنة فقد عصي النهي وسقط.

ويظهر بما تقدّم إمكان الالتزام بأصل الدعوى، على الرغم من أنّنا قلنا إنّ سبب الحكم بلزوم ترك الطبيعة مطلقاً في النواهي هو إطلاق الدليل اللفظي أو التمسّك بقاعدة الاشتغال في موارد دلالة الدليل اللبّي على الحرمة.

لكن السيّد الروحانيّ أورد إشكالاً على دعوى المحقّق الخراساني بأنّه قد صرّح في مبحث المطلق والمقيّد بأنّ إطلاق الدليل لا يفيد الاستغراق، وإنّما الاستغراق والبدليّة وأمثالهما مستفادة من القرينة، وليس مفاد مقدّمات الحكمة شيئاً غير ذات الطبيعة.[2]

غير أنّ الظاهر من كلام المحقّق الخراساني أنّ مراده من إطلاق متعلّق النهي أن يكون النهي قد تعلّق بمطلق الطبيعة لا بالطبيعة المطلقة، وعليه فلا يرد الإشكال المذكور على كلامه؛ ويؤيّده أنّه اعتبر إطلاق متعلّق النهي من مقتضى وجود الدليل، بينما لو كان مراده تعلّق النهي بالطبيعة المطلقة فهذا إنّما تقتضية تماميّة مقدّمات الحكمة لا وجود دليل خارجيّ.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص150.
[2] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج3، ص13.