بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / بحوث تمهيديّة في النواهي / إستدلال الشهيد الصدر علی كون التحريم شموليّاً

 

أقام الشهيد الصدر استدلالاً آخر على كون التحريم شموليّاً وقال في بيانه: إنّ الشموليّة الاستغراقيّة تستفاد في العمومات من ألفاظ مثل «كلّ» والشموليّة البدليّة من ألفاظ مثل «أيّ»، ولكنّ الشموليّة والبدليّة في الإطلاقات ليستا من مقتضى نفس الإطلاق، لأنّ الإطلاق لا يثبت إلا كون الطبيعة موضوعاً للحكم من دون أيّ قيد زائد عليه، والشموليّة والبدليّة من شؤون تطبيق الحكم، بمعنى أنّ الحكم المتعلّق بالطبيعة إذا لم ينطبق على جميع أفراد الطبيعة، فهو بدليّ وإلا كان استغراقيّاً.

توضيحه: أنّ موضوعات القضايا تلحظ مفروضة الوجود، والقضيّة الحقيقيّة تعود في الواقع إلى قضيّة شرطيّة شرطها تحقّق الموضوع وجزاؤها ترتّب الحكم على المتعلّق، وبالنتيجة يتعدّد الحكم بعدد الأفراد التي يجوز أن تقع مصداقاً لطبيعة الموضوع كما هو مقتضى القضيّة الشرطيّة.

وأمّا في متعلّقات الأحكام فالقاعدة تقتضي عكس ذلك، لأنّ المتعلّق لا يلحظ مفروض الوجود وإلا لزم منه طلب الحاصل، بل المتعلّق يثبت بنفس الحكم، وبالنتيجة لو فرض وحدة الحكم، فلا وجه لتعدّد متعلّقه.

ولهذه القاعدة استثناءان:

1 ـ إذا كان الموضوع منوّناً ـ مثل «أكرم عالماً» ـ فإطلاقه يكون بدليّاً، لأنّ تنوين التنكير ظاهر في أخذ قيد الوحدة وصرف الوجود في الموضوع، وهذا لا يناسب الانحلال بعدد أفراد المتعلّق.

2 ـ تستثنى متعلّقات النواهي، لأنّ المستفاد من النواهي هو أنّ كلّ فرد من أفراد متعلّقها، موضوع مستقلّ للحرمة، وهذا معنى الاستغراق أيضاً، والقرينة عليه أنّ النهي ناشئ عن المفسدة والغالب في المفسدة أن تكون المفسدة انحلاليّة بعدد أفراد الطبيعة.

ثمّ نقل الشهيد الصدر إشكالين عن السيّد الخوئيّ في خصوص دعواه الأخيرة في متعلّقات النواهي وأجاب عليهما وهما:

1 ـ يتوقّف هذا الاستدلال على المبنى المتّخذ في تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد، وبإنكار المبنى فلا يبقى له موضوع.

2 ـ لا علم لنا بملاكات الأحكام، وانحلاليّة الملاك تستكشف من انحلاليّة الخطاب لا العكس.

فقال الشهيد الصدر في الردّ على الإشكال الأوّل: إنّ النزاع بين الأشاعرة وغيرهم إنّما هو في تبعيّة الأحكام الشرعيّة للمصالح والمفاسد، بينما كلامنا يدور حول الظهور اللغويّ، ومن الواضح أنّ من أنكر تبعيّة الأحكام الشرعيّة للمصالح والمفاسد، فليس ينكرها في النواهي العرفيّة.

وقال في الجواب على الإشكال الثاني: دعوانا هي انحلاليّة ملاكات النواهي العرفيّة لا النواهي الشرعيّة، وهذه الغلبة تسبّب ظهور النواهي في الشموليّة، وبالنتيجة حتّى إذا صدر النهي من الشارع فالظهور حجّة.[1]

ولكن يرد على استدلاله في متعلّقات النواهي أنّه صرّح بأنّ استغراق شمول الحكم أو بدليّته في الإطلاقات ليس مقتضى الإطلاق وإنّما من شؤون تطبيق الحكم، وبناءً على هذا المبنى فقد قال في متعلّقات الأوامر بأنّ الحكم واحد ولذلك يجب أن يكون متعلّقه واحداً أيضاً. ففي متعلّقات النواهي لا يؤدّي التمسّك بقرينة وجود المفسدة في جميع أفراد المتعلّق استثناءَ شيء من القاعدة، لأنّ القرينة إنّما تُعتمد إذا كانت البدليّة ناشئة من إطلاق الحكم لا مسبّبةً عن تطبيقه.

على أنّ هذه القرينة موجودة في الأوامر أيضاً؛ فمعلوم في مثل أمر «صلّ» أنّ المصلحة موجودة في جميع أفراد الصلاة؛ وإلا لم يكن وجه لتعلّق الأمر بالطبيعة. وإذا أدّى وجود مفسدة في جميع أفراد متعلّق الحكم التحريميّ إلى لزوم اجتناب الجميع، فوجود المصلحة في جميع أفراد متعلّق الحكم الوجوبيّ أيضاً يستلزم إتيان الجميع.


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج3، ص17.