44/11/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: النواهی / بحوث تمهيديّة في النواهي / شمول التحريم لجميع أفراد متعلّق النهي
الثاني: شمول التحريم لجميع أفراد متعلّق النهي
قال المحقّق الخراسانيّ في وجه دلالة النهي على الاستمرار بأنّه كما أنّ الأمر لا يدلّ على الدوام والاستمرار فكذلك النهي لا يدلّ على ذلك، ولکن يختلف مقتضى الأمر والنهي عقلاً؛ لأنّ وجود الطبيعة يتحقّق بوجود فرد واحد منها، بينما لا تنعدم الطبيعة إلا بانعدام جميع أفرادها. نعم، إنّ الدوام والاستمرار في النهي إنّما يكون في صورة تعلّق النهي بالطبيعة المطلقة أو غير المقيدة بزمان أو حال معيّن، حيث لا تنعدم هذه الطبيعة إلا بانعدام جميع أفرادها الدفعيّة والتدريجيّة.[1]
ولكن أُشكل على هذه الدعوى بأنّه كما يمكن في الأوامر أن يكون مطلق الطبيعة أو صرف وجودها متعلّقاً للتكليف فيلزم من تعلّق الأمر في الأوّل إتيان جميع أفراد الطبيعة بينما يسقط الأمر في الثاني بمجرّد إتيان فرد من أفراد الطبيعة، فكذلك في النواهي ـ بناءً على أنّ مدلول النهي هو طلب الترك ـ فقد يتعلّق التكليف بترك مطلق الطبيعة أو بصرف وجودها، وهنا أيضاً لو فرض الأوّل لكان امتثال التكليف بترك جميع أفراد الطبيعة، ولكن على الثاني فالتكليف يمتثل بمجرّد ترك فرد من أفراد الطبيعة ولا يمكن ادّعاء أنّ ترك جميع الأفراد هو اللازم العقلي من تعلّق النهي بالفعل في جميع النواهي.
والذي يؤيّد ذلك أنّه لو نهی المولا عبده عن شرب عصير الرمّان مثلاً، لأمکن ثبوتاً أن يشكّ العبد في أنّ غرض المولا کان اجتنابه عن شرب عصير الرمّان مطلقاً أو في حالة خاصّة وزمان خاصّ، ولو کان لزوم الاجتناب عن جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها بحکم العقل، لما کان مجالاً لهذا الشكّ.
ولذلك قال السيد الخوئيّ في الاستدلال على دلالة النهي على الدوام والاستمرار: إنّ الطبيعة التي يتعلّق بها الحكم تلحظ إمّا بنحو العامّ الاستغراقيّ أو البدليّ أو المجموعي؛ فالحکم بناءً على الأوّل ينحلّ بعدد أفراد الطبيعة، وعلى الثاني يتعلّق الحكم بفرد من أفراد الطبيعة ويسمّى صرف الوجود، وبناءً على الثالث فالحكم يتعلّق بمجموع أفراد الطبيعة، ولا يختلف الحال في هذا الأمر بين الحكم الوجوبي أو التحريمي.
فإذا كان الحكم المتعلّق بالطبيعة وجوبيّاً، فبما أنّه يستحيل طلب إيجاد جميع أفراد الطبيعة ولا يعقل بالنتيجة الطلب بنحو العامّ الاستغراقيّ أو المجموعيّ، ونجد من جهة أُخرى أنّ الطبيعة المتعلّقة مطلقة ولا وجه لترجيح حصّة خاصّة منها على أُخرى، فبالنتيجة يقتضي إطلاقها الاكتفاء بإيجاد الفرد الذي يريده المكلّف من جملة أفراد الطبيعة.
بينما لو كان الحكم المتعلّق بالطبيعة تحريميّاً، لم يعقل أن يكون المراد منه حرمان المكلّف من فرد من أفراد الطبيعة على نحو البدليّة؛ إذ لا يمكن إتيان جميع أفراد الطبيعة ولذلك فإنّ الحرمان عن بعض أفرادها متحصّل قهراً والنهي عنها طلب للحاصل. ومن جهة أُخرى فإنّ النهي مطلق ولم يتعلّق بحصّة معيّنة من الطبيعة، فيقتضي إطلاق الدليل في المقام منع المكلّف وحرمانه من جميع أفراد الطبيعة الدفعيّة والتدريجيّة.[2]
ولكن يشكل هذا الاستدلال أوّلاً: بأنّ متعلّق الأحكام في القضايا الحقيقيّة هي الطبائع ولا يعني لحاظ الطبيعة لحاظ أفرادها حتّى يبحث عن أنّ أفراد الطبيعة هل لوحظت بنحو العامّ البدليّ أو الاستغراقيّ أو المجموعي؟
وثانياً: حتّى لو فرض تماميّة الاستدلال ولكن لا تصحّ الدعوى في جميع الموارد، بمعنى أنّه لو كانت أفراد الطبيعة معدودة، فالاستدلال لا يبيّن وجه وجوب إتيان أحد الأفراد في الحكم الوجوبيّ وحرمة الكلّ في الحكم التحريميّ.
وثالثاً: إنّ عدم القدرة على إتيان جميع الأفراد في موارد الحكم الوجوبيّ لا يؤدّي إلى انتفاء تعلّق الحكم بجميع الأفراد بنحو العامّ الاستغراقيّ؛ لأنّ القدرة ـ كما قال السيد الخوئيّ في مبحث الترتّب ـ شرط في مرحلة فعليّة الحكم لا مرحلة جعله. والثمرة المترتّبة عليه هي أنّ كلّ مكلّف حسب مقدرته يأتي بأيّ عدد من أفراد الطبيعة التي يقدر عليها وهو معذور بالنسبة إلی ما زاد عليه.
ورابعاً: إنّ استدلاله على فرض تماميّته، فهو في موارد الحكم التحريميّ إنّما ينفي تعلّقَ التكليف بنحو العامّ البدليّ وهذا لا ينافي تعلّق التكليف بأفراد الطبيعة بنحو العامّ المجموعي. والفرق بين تعلّق التحريم بنحو العامّ الاستغراقيّ والعامّ المجموعي يكمن في أنّ الأوّل ـ كما قال السيّد الخوئيّ ـ ينحلّ بعدد أفراد الطبيعة، وبالنتيجة فإنّ مخالفته في فرد لا يؤدّي إلى سقوط التكليف في فرد ثانٍ، بينما يکون التکليف في الثاني واحداً وإتيان فرد من أفراد الطبيعة يتسبّب في سقوط التكليف وعدم المحذور من إتيان سائر أفراد الطبيعة.