بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / بحوث تمهيديّة في النواهي / مدعی الشهيد الصدر فی مدلول صيغة النهي

 

قال الشهيد الصدر مستدلاً على أنّ مفاد النهي هو الزجر عن الفعل لا طلب الترك: إذا دلّ النهي على الزجر عن الفعل، فلا حاجة في دلالته إلى شيء غير مدلول الهيئة ـ أي النسبة الزجريّة ـ ومدلول المادّة ـ أي الطبيعة ـ كما لا حاجة في دلالة الأمر إلى شيء غير مدلول الهيئة ـ أي النسبة الطلبيّة ـ ومدلول المادّة، وكما أنّ استقرار النسبة الطلبيّة بين المخاطب والطبيعة في الأمر يوجب بعث المخاطب نحو الفعل، فكذلك استقرار النسبة الزجريّة بين المخاطب والطبيعة يوجب زجره عن الفعل. ولكن على مبنى المشهور في مدلول النهي، فيجب أن يکون هناك عنصر ثالث دخيل في النهي غير الهيئة والمادة، إذ لو تعلّقت النسبة الطلبيّة بالطبيعة، لكان ذلك مخالفاً للمقصود، وإذا كانت قد تعلّقت بترك الطبيعة، فبما أنّ المادّة لا تدلّ على ترك الطبيعة، فيلزم وجود دالّ آخر في المقام ليدلّ عليه.

فإن قيل: إنّ المادة كما لا تدلّ على ترك الطبيعة فكذلك لا تدلّ على وجوده، ومدلولها إنّما هو صرف الطبيعة، فكيف تدلّ في الأمر على الفعل؟ ولو جاز أن تدلّ في الأمر على الفعل لجاز أن تدلّ في النهي أيضاً على الترك.

فنقول: إنّ المادة وإن لم تدلّ على وجود الطبيعة ولكن بما أنّها مرآة لأفرادها الموجودة لا لتركها، فدلالتها في الأمر علی الفعل وجيهة، بينما لا وجه لدلالتها في النهي على الترك.

فإن قيل: المادّة في النهي لا تدلّ على الطبيعة، بل يقصد منها ترك الطبيعة.

فالجواب: أنّ المشكلة في هذه الصورة أنّه يجب أن نلتزم بمجازيّة استعمال مادّة «صلاة» في «لا تصلّ» ممّا لا يمكن الالتزام به.

فإن ادّعي: أنّ الهيئة في النهي هي التي تدلّ على الترك.

فإشكاله هو أنّ الهيئة معناها حرفيّ ولا يجوز أن تدلّ على الترك الذي له معنى اسميّ. على أنّه يستوجب وجود دالّ آخر على النسبة بين مدلول الهيئة ـ أي الترك ـ ومدلول المادّة ولا دالّ على ذلك، فنضطرّ إلى القول بأنّ الهيئة تدلّ على الترك كما تدلّ على النسبة ممّا يلزم منه دلالة الهيئة على كلا المعنيين الحرفيّ والإسميّ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به أيضاً.[1]

أقول: إنّ استدلاله تامّ يمكن الالتزام به وإن كان توجيهه لدلالة الأمر على إيجاد الفعل من أنّ الطبيعة مرآة لأفرادها في الخارج فهو مشكل، لأنّ نسبة الطبيعة إلى أفرادها ليست نسبة المرآة إلى الصورة. فيجب إذن أن نقول في بيان الوجه انّه تقدّم سابقاً أنّ الذي تعلّق الطلب به ليس الطبيعة بما هي هي وإنّما حصّة غير معيّنة منها في الخارج، ومعلوم أنّ تعلّق النسبة الطلبيّة بمثل هذه الحصّة من الطبيعة لا يعني إلا طلب إيجادها في الخارج.

لا يقال: يجب علی ذلك أن تدلّ الهيئة علی الطبيعة بوجودها الخارجی لا الطبيعة المهملة، وهو مضافاً إلی منافاته مع ما ذهبتم إليه سابقاً في بحث المشتقّ، يوجب أن يکون متعلّق النهي أيضاً حصّة غير معيّنة من الطبيعة لا الطبيعة المطلقة والذي يستلزم أن لا يجب الاحتراز عن الطبيعة المنهيّ عنه مطلقاً.

إذ نقول: لا يستلزم من تعلّق الطلب بحصّة غير معيّنة من الطبيعة أن يکون مدلول المادّة أيضاً تلك الحصّة منها، بل مرّ في مبحث المشتقّ أنّه لا ينافي وضع المادّة مقابل الطبيعة المهملة ـ أي الطبيعة الملحوظة بنحو اللا بشرط المقسمي ـ أن نلاحظها في الهيئات المختلفة بلحاظات مختلفة، إذ لحاظ الطبيعة بنحو اللابشرط المقسمي في وضع المادّة يلائم لحاظها بنحو المطلق أو المقيّد في المشتقّات.

ولكنّ السيد الخوئي قال: إنّ مفاد النهي ليس طلب الترك ولا الزجر عن الفعل، بل كما أنّ الأمر مبرز لاعتبار الفعل في ذمّة المخاطب، فكذلك النهي مبرز لاعتبار محروميّة المخاطب من الفعل. إذن «لا تفعل» مصداق للزجر والمنع، لا أن يكون قد وضع للزجر والنهي، بمعنى أنّه كما يمكن تحقّق المنع والزجر بنحو تكوينيّ وبفعل خارجيّ، فكذلك يمكن تحقّقه بنحو شرعيّ وبصيغة «لا تفعل».[2]

ولكن من المعلوم أنّ هذا المدّعى مستند إلى مبناه في حقيقة معنى الإنشاء ـ المتقدّم سابقاً وقلنا أنّه يرى الإنشاء إبرازاً لأمر نفسانيّ ـ وتقدّم عدم إمكان الالتزام بهذا المبنى، لأنّ مدلول الإنشاء ليست له دلالة تصديقيّة ثانويّة خلافاً لما ذهب إليه.

 


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج3، ص14.
[2] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج3، ص274.