44/10/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأمر بالأمر - الأمر بعد الأمر / هل الأمر الثاني تأكيد ام تأسيس/
تقدّم في الجلسة السابقة إشكال السيّد الخوئيّ على شمول أدلّة العبادات فعل الصبيّ حتّی يتمسّك بها لمشروعيّة عباداته وجواب إشکاله.
وقال المحقّق العراقيّ في إشكال آخر على هذه الدعوى: إنّ فهم المتشرّعة الارتكازي لأدلّة رفع التکليف عن الصبيّ يعتبر هذه الأدلّة قرائن على عدم توجّه الخطابات الشرعيّة لغير البالغين وليس ذلك ببعيد، ولذلك لا وجه للتمسّك بأدلّة العبادات لإثبات مشروعيّة عبادات الصبيّ.[1]
ولكن يتّضح بما تقدّم أنّ انطباع المتشرّعة عن أدلّة الرفع كان عدم فعليّة التكليف بالنسبة إلى غير البالغين، وعدم مخاطبتهم بالخطابات الشرعيّة عند المتشرّعة يكون بهذا المعنى.
فمع وجود حديث الرفع أيضاً يمكن القول بمطلوبيّة فعل الصبيّ عند الشارع وإن لم يتوجّه إليه وجوب بالفعل کما مرّ نظيره في مبحث الترتّب.
ولكن هل تستلزم مشروعيّة عباداته إجزاءها أيضاً؟ فمثلاً لو صلّى الصبيّ صلاته اليوميّة ثمّ بلغ في أثناء الوقت، فهل يجزيه عن تكليفه أم عليه بعد البلوغ أن يعيد صلاته اليوميّة؟
ذهب المحقّق العراقيّ إلى عدم الإجزاء وقال في وجهه: من الصحيح مشروعيّة عبادات الصبيّ ووجود مصلحة وراءها، ولكن لا دليل على أنّ هذه المصلحة من سنخ مصلحة العمل الواجب کي تجزي عنه.[2]
أقول: لو استنبطت مشروعيّة عبادات الصبيّ من أدلّة أمر الوالدين صبيانهم بإتيان العبادة، فالحقّ ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ، وأمّا إذا قلنا بمشروعيّة عباداته من حيث شمول أدلّة العبادات لما فعله، فعباداته مجزئة بلا إشكال. نعم، قد يقال في موارد معيّنة ـ كالحجّ ـ بعدم الإجزاء لأدلّة المورد.[3] [4] [5]
الأمر بعد الأمر
إذا أمر المولى بشيء وقبل أن يمتثله العبد، أمر بالشيء نفسه مرّة أُخرى، فهل الأمر الثاني تأكيد وتكرار للأوّل أم يلزم من وروده تكرار الفعل من قبل العبد؟
ويجب الالتفات إلى أنّ محلّ الكلام فيما لم تكن هناك قرينة على إرادة التأسيس أو التأكيد للأمر الثاني، كما لو قال المولى: «صلّ وصلّ» حيث إنّ العطف بالواو قرينة عرفيّة على لزوم التكرار، أو يقول: «إذا أفطرت فتصدّق وإذا جاء زيد فتصدّق» حيث إنّ العرف يفهم لزوم تكرار الصدقة لتعدّد أسبابها، أو قال: «إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ» حيث إنّ المأمور به في المثال هو الوضوء، ونعلم أنّ الطهارة أمر نفسانيّ لا يمكن تعدّده وهو باقٍ ما لم تنقضه النواقض، فنعرف أنّ التكرار لا وجه له، وإذا صدر السببان من العبد فيكفيه وضوء واحد.
أمّا المحقّق الخراسانيّ فإنّه يرى تعارض إطلاق المادّة مع إطلاق الهيئة في فرض المسألة، لأنّ مقتضى إطلاق المادّة هو أن يكون متعلّق الطلب واحداً، والمتعلّق الواحد لا يتحمّل أكثر من طلب واحد، بينما يقتضي إطلاق الهيئة التأسيسَ، ولكن بما أنّ إطلاق الهيئة مقرون بقرينة كالتكرار الذي يفهم العرف منه التأكيد فيما إذا كانت المادّة مطلقة من دون قرينة معها، فيقدّم مقتضى إطلاق المادة ويحمل الأمر الثاني على التأكيد.[6]
أمّا الشهيد الصدر فقد أشكل على دعوى دلالة إطلاق الهيئة على التأسيس وقال: لا تدلّ الهيئة على شيء غير الطلب وليس التأسيس مدلولاً للهيئة، لأنّ الذي وضعت له الهيئة ليس الطلب الذي لا يكشف عنه بكاشف آخر من قبل، ولذلك لو أمر المولى عبده للتأكيد بأمر طلب متعلّقه منه سابقاً أيضاً، فلا يعدّ استعماله لصيغة الأمر مَجازاً[7] .
ولكن لا يرد إشكال الشهيد الصدر على دعوى المحقّق الآخوند، إذ لم تكن دعواه أنّ التأسيس مأخوذ في ما وضعت له الهيئة، وإنّما ادّعى أنّ التأسيس مقتضى إطلاق الهيئة، والدعوى مقبولة؛ لأنّ تعدّد الدالّ يقتضي تعدّد المدلول، ويلزم من إطلاق الهيئة أن يكون الطلب المستفاد منها غير الطلب المدلول عليه بدالّ آخر.
هذا والحال أنّ إطلاق المادّة بما أنّه يقتضي وقوع الطبيعة بوجودها الخارجيّ طرفاً للطلب من دون مدخليّة خصوصيّات أفرادها، فالمطلوب في كلا الأمرين واحد، ومن جهة أُخرى فالمطلوب منه واحد أيضاً في كلاهما، فيجب أن تكون النسبة الطلبيّة بين المطلوب والمطلوب منه ـ وهي مدلول الهيئة ـ واحدة أيضاً ويلزم منه دلالة الأمر الثاني على التأكيد.
کما يمكن الالتزام بدعوى المحقّق الخراسانيّ الثانية أيضاً من قرينيّة التكرار على التأكيد عرفاً. وبالنتيجة إذا لم ترد قرينة في مثل هذه الموارد، فالعرف يحمل الأمر الثاني على التأكيد.