بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأمر بالأمر / تبيين المسألة/

 

الأمر بالأمر

قال المحقّق الخراسانيّ فيما إذا أمر المولى عبده بأن يأمر آخر بفعل بأنّه لا يلزم منه أمر بذلك الفعل، إذ كما قد ينشأ هذا النحو من الأمر من تعلّق غرض المولى بذلك الفعل ولا مدخليّة للعبد المأمور بالأمر في هذا الغرض إلا واسطة لنقل أمر المولى لشخص ثالث، فكذلك قد لا يتعلّق غرض المولى بالفعل، بل بفعل العبد فقط ـ أي الأمر بالفعل ـ أو أن يكون لأمر العبد مدخليّة في تعلّق غرض المولى بالفعل. فإذن القول بتعلّق أمر المولى بالفعل يحتاج إلى قرينة.[1]

ولکن قال الميرزا النائينيّ: إنّ مدخليّة أمر العبد في غرض المولى تعني أن يكون لأمره موضوعيّة، وبما أنّ المتفاهم عرفاً منه في أمثال المقام أنّ أمر العبد ليس إلا طريقاً ولا موضوعيّة له، فمقتضی القاعدة أن يقال: إنّ المولى أمر بذلك بالفعل إلا إذا دلّت القرينة على خلافه.[2]

والحقّ ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ، إذ يمكن الالتزام باستظهاره العرفيّ.

ومن الثمرات المترتّبة على المسألة هي مشروعيّة عبادات الصبيّ لورود أوامر من قبيل: «مروا صبيانكم‌ بالصلاة‌ إذا كانوا بني سبع سنين... فمروا صبيانكم‌ إذا كانوا بني تسع‌ سنين‌ بالصوم‌ ما استطاعوا من‌ صيام‌ اليوم،‌ فإذا غلبهم‌ العطش‌ أفطروا»[3] المرويّ في حسنة الحلبيّ عن الإمام الصادق(ع) حيث يمكن حسب ما تقدّم ادّعاء ظهور أمر الإمام(ع) بأمر الوالدين الصبيان بالصلاة والصوم في مطلوبيّة صلاة الصبيّ وصومه للمولى وأنّه يحصّل غرضه، وأمر الأبوين الصبيّ بالصلاة والصوم ليس إلا طريقاً ولا موضوعيّة له، فتكون عبادات الصبيّ المميّز مشروعة.

هذا؛ وإن أمكن القول بأنّه يمكن القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ المميّز من دون هذه الأدلّة أيضاً اعتماداً على عمومات أدلّة مثل: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ[4] و﴿کُتِبَ عَلَيْکُمْ الصِّيَامَ[5] لشمولها للبالغ وغيره، وحديث الرفع إنّما يرفع الإلزام، لأنّه دليل امتنانيّ، ولا امتنان في رفع الحكم غير الإلزاميّ، فيثبت بالنتيجة أصل مطلوبيّة العبادات بعموماتها وإطلاقاتها للصبيّ.

فإن قيل: الاعتماد بعموم الخطاب والاستدلال بشموله لفرد معيّن، يتطلّب أوّلاً أن يكون الفرد واجداً للمقتضي لأن يقع طرفاً للخطاب ثمّ يتمسّك بعموم الخطاب إثباتاً لتوجّه الخطاب إليه، بينما الصبيّ لا يوجد فيه المقتضي لأن يقع طرفاً للخطاب.

فالجواب: أنّ الإشكال وإن كان وارداً بالنسبة إلى الصبيّ غير المميّز، ولكن يمكن دفعه في الصبيّ المميّز، لأنّه غير قاصر من حيث وجود المقتضي لأن يقع مخاطباً.

ولكنّ السيّد الخوئيّ رأى هذا الاستدلال غير تامّ وخلاصة إشكاله أنّه لا سبيل لنا إلى كشف المطلوبيّة إلا الأوامر الشرعيّة، على أنّ الوجوب بسيط وليس مركّباً من الطلب والمنع من الترك، فبرفع الوجوب عن الصبيّ بأدلّة رفع التكليف لا يبقى دليل يحكم به على مطلوبيّة عبادات الصبيّ. نعم؛ لو كان عندنا دليلان، أحدهما يدلّ على أصل مطلوبيّة الفعل ومشروعيّته لدى الشارع مطلقاً، والآخر على لزومه ووجوبه ليكون حديث الرفع ناظراً إلى رفع الدليل الثاني لا الأوّل، فيمكن في هذه الصورة الالتزام بمشروعيّة عبادات الصبيّ حسب الدليل الأوّل، ولكن أدلّة العبادات ليست كذلك.[6]

وجوابه: أنّه وإن کانت دعوى عدم السبيل إلى كشف مطلوبيّة الفعل عند المولى إلا من خلال صدور أمر منه قابلة للالتزام غير أنّ دعوى كون حديث الرفع بمعنى عدم جعل الوجوب للصبيّ فغير صحيحة، بل يقتضي حديث الرفع أن ترفع فعليّة الحكم المجعول عن الصبيّ، فما ذكره السيّد الخوئيّ هو مقتضى الدفع لا الرفع.

وبعبارة أُخرى، فإنّ الشارع لا يأخذ أحوال المخاطبين في مرحلة الجعل، فلا مدخليّة للبلوغ أو عدمه في المصلحة المصحّحة لجعل الحكم، وإنّما يأخذ الشارع المصلحة الموجودة في الفعل بعين الاعتبار، فإن كانت بمستوى الإلزام، فيطلبها من المخاطب على نحو الإلزام، على الرغم من أنّه قد يكون للمكلّف عذر عقليّ أو شرعيّ لعدم إتيان متعلّق التكليف لجهة كالجهل أو النسيان أو عدم القدرة أو عدم البلوغ وأمثالها ممّا لا يعني عدم جعل الحكم له، بل يعني عدم فعليّة الحكم له، وهذا إمّا ناشئ عن عدم إمكان امتثاله للتكليف، أو لسقوط آثار الحكم التكليفيّة والوضعيّة امتناناً.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص144.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص209.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص409.
[4] سوره بقره، آيه 43.
[5] سوره بقره، آيه 183.
[6] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج3، ص264.