44/10/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الواجب المؤقّت / التمسّك بالاستصحاب بعد عدم إتيان الواجب في الوقت/
التمسّك بالاستصحاب بعد عدم إتيان الواجب في الوقت
تناول المحقّق الخراسانيّ موضوع إمكان التمسّك بالاستصحاب إثباتاً لوجوب إتيان الواجب بعد الوقت في فرض عدم إتيانه فيه، فقال: إذا شكّ في أنّ مطلوبيّة الواجب هل هي بنحو وحدة المطلوب أو بنحو تعدّد المطلوب ولم يمكن البتّ من خلال دليل الواجب، فأصل البراءة يقتضي عدم وجوبه خارج الوقت، ولا يمكن استحصاب وجوبه بعد الوقت[1] .
وقال المحقّق الاصفهانيّ في تبيين دعوى المحقّق الآخوند من عدم إمكان الأخذ بالاستصحاب: إنّ المستصحب في المقام إمّا شخص حكم الوجوب الذي يدلّ عليه دليل الواجب، وإمّا كلّي حكم الوجوب.
فإن كان المراد من الاستصحاب هو استصحاب شخص حكم الوجوب، فلا معنى لهذا المطلب، لأنّ شخص الحكم قد تعلّق بواجب مؤقّت، وبانقضاء الوقت يستحيل بقاؤه لزوال مقوّم الحكم.
وإذا كان المراد أنّ المستصحب هو كلّي الحكم وأنّه من باب استصحاب الكلّي من القسم الثالث، فلا يمكن التمسّك به فيما نحن فيه حتّى بناءً على حجيّة هذا القسم من الاستصحاب؛ لأنّ القسم الثالث من استصحاب الكلّي إمّا أن يكون فيما احتمل حدوث فرد آخر مقارن للفرد الأوّل، وإمّا فيما احتمل حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأوّل، وإمّا في حالة يحتمل تبدّل الحكم إلى مرتبة أُخرى منه، ولا يمكن أيّ من هذه الاحتمالات فيما نحن فيه.
أمّا استحالة الفرض الأوّل فلأنّه يلزم منه تعلّق الحكم بذات الفعل وبالفعل المؤقّت في آنٍ واحد ممّا يؤدّي إلى الجمع بين حكمين متماثلين في فعل واحد، أحدهما استقلالاً والآخر في ضمن المؤقّت.
أمّا استحالة الفرض الثاني فلأنّ موضوع الحكم الذي يُعلم رفعه هو المؤقّت بما هو مؤقّت، ولا دخل للوقت في موضوع الحكم الذي يحتمل حدوثه، فليس من أقسام استصحاب كلّي الحكم المترتّب على موضوع واحد متقيّن الحدوث ومشكوك البقاء حتّى يستصحب، وإنّما يحتمل حدوث حكم آخر لموضوع آخر ولا علاقة له بالاستصحاب.
واستحالة الفرض الثالث فلأنّ تبدّل الحكم من مرحلة إلى مرحلة أُخرى إنّما يُتصوّر في موضوع واحد، فمثلاً إنّ وجود حدّ من البياض لموضوع ووجود حدّ آخر منه لموضوع آخر لا يعدّ اشتداد البياض.[2]
ولكنّه تابع بالإشكال على ذلك فقال: من الممكن توجيه استصحاب شخص الحكم كما يمكن استصحاب كلّي الحكم.
فقال في توجيه استصحاب شخص الحكم: إنّ موضوع الحكم وإن كان بحسب الدليل والدقّة العقليّة هو المؤقّت بما هو مؤقّت، ولكنّ الشرط في الاستصحاب هو بقاء موضوع الحكم عرفاً، والعرف يعتبر ذات الفعل موضوعاً للواجب المؤقت ويعتبر الوقت من حالات ذلك الموضوع لا من مقوّماته، وإذا أُريد أخذ موضوع الاستصحاب بالدقّة العقليّة، لن يمكن استصحاب الحكم في أيّ مورد شكّ في بقاء الحكم للشكّ في بقاء موضوعه؛ كما لو شكّ في مطهّريّة الماء مع الشكّ في بقاء الكرّيّة وعدم جريان استصحاب الموضوع لأمر كالتعارض مع استصحاب موضوعيّ آخر.
على أنّ خصوصيّة الوقت كخصوصيّة الطهارة والاستقبال والتستّر شرط للواجب، ووجوب تحصيله مقدّميّ، لا أنّ ما يتخصّص بالوقت هو الواجب حتّى يدّعى أنّ موضوع الوجوب هو المؤقّت بما هو مؤقّت. فما يعرضه الوجوب هو الفعل، وفي هذه الحالة إذا شكّ في دخل خصوصيّة الوقت فيه مطلقاً، أمكن الاستصحاب.
وقال أيضاً في توجيه استصحاب الكلّي: يمكن تصحيحه بالنحو الثاني ـ أي احتمال حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأوّل ـ لأنّ شخص الحكم قد تعلّق ذاتاً بالمؤقّت وعرضاً بذات الفعل، فطبيعيّ الحكم يتعلّق عرضاً بكلّ ما يتعلّق به شخص الحكم ذاتاً وعرضاً، ويلزم منه تعلّق حكم الكلّي بالفعل الكلّي عرضاً بواسطتين.[3]