بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/10/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب المؤقّت / إشکال السيد الروحانيّ على استدلالات الميرزا النائينيّ/

 

تابع السيد الروحانيّ الإشكال على استدلالات الميرزا النائينيّ من أنّ القضاء بأمر جديد، فقال:

أوّلاً: «القضاء» لغةً يعني أداء العمل وإن كان عرفاً إمّا ملازماً للتدارك وإمّا مطابقاً له، وبالنتيجة فإنّ العرف لا يستخدم تعبير القضاء إلا للعمل الذي يُتدارك به مصلحة فائتة، فالنتيجة تبعيّة القضاء للأداء لا عدمها، لأنّ القضاء لو كان بأمر جديد وملاك مستقلّ فلا معنى للتدارك؛ والدليل عليه أنّ التدارك يعني بدليّة أحد العملين عن الآخر، وهذا لا يشمل ما إذا کان العملان مختلفين مصلحةً. فبخروج الوقت لا يصدق الفوت حقيقةً؛ لأنّ الطبيعة لا تفوت بخروج الوقت، وإنّما يعبّر بذلك مسامحةً من حيث فوات حصّة معيّنة من الطبيعة بخروج الوقت.

وثانياً: ينتقض المثال الذي ضربه المحقّق النائينيّ في قضاء موارد النذر بمورد بيع العبد بوصف كونه كاتباً وتخلّف الوصف، حيث يقال فيه بصحّة أصل البيع. كما يمكن نقضه بالوقف الذي تعذّر فيه الموقوف عليهم؛ حيث يقال فيه أيضاً بصرف منافع الوقف في أقرب الموارد إلى الموقوف عليهم، بينما لم يكن المتحقّق في كلا الموردين مقصوداً للبائع أو الواقف.

والحلّ في المسألة بأن يقال: المأخوذ في البيع هو العبد ومدخليّة خصوصيّة كتابته فيه بنحو تعدّد المطلوب، ولا يوجب تخلّف الوصف بطلانَ البيع، وكذلك في الوقف. ومثله فيما نحن فيه حيث يمكن القول بأنّ قصد الناذر وإن تعلّق ظاهراً بالمقيّد بما هو مقيّد، ولكنّ القصد ينحلّ في الواقع إلى قصدين.

وثالثاً: لا يصحّ ما ذهب إليه في انفكاك زمان الأمر بالأداء والأمر بالقضاء؛ لأنّ المقيّد بوقت معيّن هو فعليّة الأمر بالقضاء، لا نفس ذلك الأمر.[1]

ولكن لا يرد إشكال السيّد الروحانيّ الأول على مدّعى المحقّق النائيني، لأنّ تدارك مصلحة الواجب بواجب آخر لا يتوقّف على اشتراك ملاكيهما، بل يمكن باختلاف الملاكين أيضاً، في مثل الواجبات التي يؤمر بها المكلّف بنحو البدائل العرضيّة أو الطوليّة، مثل المبيت في منى وإحياء الليل والعبادة في مكّة أو الصوم البديل عن الهدي في الحجّ. نعم، تجب السنخيّة بين البدل والمبدل منه وإلا لأمکن بدليّة کلّ شیء لکلّ شيء، ولکن لزوم السنخيّة بينهما أمر ولزوم اشتراكهما في الملاك أمر آخر.

فيمكن ادّعاء أنّ التدارك أعمّ من أن يَتدارك القضاءُ جزءَ مصلحة الأداء أو يُتدراك بمصلحة أُخرى مصلحةُ الأداء الفائتة، ولا دلالة له من هذه الجهة على شيء.

وجواب إشكاله الثاني أنّ هناك قرينة في بيع العبد الكاتب على أخذ صفة الكتابة بنحو تعدّد المطلوب، وإلا لو عُلم أنّه كان بنحو وحدة المطلوب، فلا يمكن القول بالصحّة. وكذلك بالنسبة إلى الوقف حيث لو عُلم أنّ الوقف كان بنحو وحدة المطلوب مقيّداً بأن يعود على موقوف عليهم معيّنين، فلا يمكن البتّ بصرف المنافع في أقرب الموارد إلى الموقوف عليهم إذا تعذّروا. فصرف الوقف في أقرب الموارد في الفرض المذكور، إنّما يُحكم به فيما لم يُحرز ذلك. هذا، ولكن دليل القضاء في مورد النذر يدلّ بإطلاقه على وجوب القضاء بعدم إتيان النذر في وقته حتّى إذا كان الناذر قد أخذ قيد الزمان بنحو وحدة المطلوب.

وأمّا إشكاله الثالث فهو وارد على دعوى المحقّق النائيني وهو راجع إلى كون الزمان ظرفاً للواجب ـ سواء في الأداء والقضاء ـ وليس قيد الوجوب، فيمكن الالتزام بأنّه حين لم يمكن الأداء فالأمر بالقضاء موجود، وإن لم يحن زمان إتيان القضاء.

فغاية ما يمكن الالتزام به من كلمات المحقّق النائينيّ هو ما يستفاد من أدلّة القضاء من الفرق بين مصلحة القضاء ومصلحة الأداء.

ولکنّه لا يثبت وجوب القضاء بملاك مستقلّ عن الأداء في جميع الموارد، إذ قد يدّعى أنّه مختصّ بالنذر.


[1] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج2، ص510.