46/07/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ الإختلاف في الدخول و الولادة
قال المحقّق الحلّي: «ولو اختلفا في الدخول أو في ولادته، فالقول قول الزوج مع يمينه. ومع الدخول وانقضاء أقلّ الحمل، لا يجوز له نفي الولد لمكان تهمة أُمّه بالفجور، ولا مع تيقّنه، ولو نفاه لم ينتف إلا باللعان...
ويلزم الأب الإقرار بالولد مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له، فلو أنكره والحال هذه لم ينتف إلا باللعان. وكذا لو اختلفا في المدّة.»[1]
هذه المسألة هي التي قلنا بأنّها ستأتي تباعاً وهي أنّ الزوج إذا ادّعى أنّ الولد لا يلحق به لعدم الدخول، أو ادّعى أنّ الولد غير مولود من زوجته وإنّما ادّعت الزوجة ولد مرأة أُخرى ولداً لها وأنكرته الزوجة، فالزوجة بحسب كلام المحقّق في هذه الدعوى مدّعية والزوج منكر.
قال الشهيد الثاني مستدلاً على كلام المحقّق: «لأصالة عدم الدخول وعدم ولادتها له، ولأنّ الأوّل من فعله فيقبل قوله فيه، والثاني يمكنها إقامة البيّنة عليه فلا يقبل قولها فيه بغير بيّنة.»[2]
والحقّ ما ذهب إليه المحقّق، والعرف أيضاً يعتبر الزوجة في هذه الموارد مدّعية إلا إذا وُجد ظاهر حال يطابق دعوى الزوجة حيث يكون الزوج حينئذٍ مدّعياً والزوجة منكرة.
غير أنّ الذي ذكره الشهيد الثاني ـ من القبول بقول الزوج لكون الدخول من فعله ـ فليس بصحيح، لأنّ الدخول ليس فعله فقط وإنّما فعل صدر من كليهما.
كما لا يتمّ مدّعاه من أنّ الزوجة لكونها تستطيع إقامة البيّنة على وضعها للحمل، فإنّ دعواها لا تقبل بدون البيّنة، إذ مجرّد قدرة الشخص لإقامة البيّنة على دعواه، لا تجعله مدّعياً في الدعوى، لأنّ المنكر أيضاً يستطيع إقامة البيّنة على دعواه في كثير من الموارد.
وأمّا إذا اختلف الزوجان على مقدار مدّة الحمل وفي أنّها هل كانت بين ستّة أشهر وتسعة أم لا مع اتّفاقهما على تحقّق الوطء وولادة الولد من الزوجة، فقد تقدّم في كلام المحقّق أنّهما يتلاعنان في هذه الصورة.
هذا، ولكنّ الشهيد قال في اللمعة: «لو اختلفا في المدّة حلفت»[3] ممّا يعني أنّ الزوج في هذه الصورة يكون مدّعياً وعليه البيّنة وإلا قُدّم قول الزوجة بحلفها.
وقال الشهيد في الروضة موضّحاً لهذه لدعوى: «لو اتّفقا عليهما واختلفا في المدّة فادّعى ولادته لدون ستّة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل، حلفت هي تغليباً للفراش، ولأصالة عدم زيادة المدّة في الثاني.
أمّا الأوّل فالأصل معه، فيحتمل قبول قوله فيه عملاً بالأصل، ولأنّ مآله إلى النزاع في الدخول، فإنّه إذا قال: «لم تنقض ستّة أشهر من حين الوطء» فمعناه أنّه لم يطأ منذ مدّة ستّة أشهر وإنّما وقع الوطء فيما دونها.
وربما فسّر بعضهم النزاع في المدّة بالمعنى الثاني خاصّة ليوافق الأصل، وليس ببعيد أن تحقّق في ذلك خلاف، إلا أنّ كلام الأصحاب مطلق.»[4]
غير أنّه يرد على مقالة الشهيد الثاني عدّة إشكالات:
1 ـ إنّ أمارة الفراش لا توجب تقديم قول الزوجة، لأنّ النزاع بينهما على أنّه هل توجد هناك أرضيّة للتمسّك بأمارة الفراش أم لا؟ ومع الشكّ في ذلك لا يمكن تقديم قول الزوجة بسبب موافقته لأمارة الفراش. وهذا المقام يختلف عن المورد الذي يقدّم فيه قول ذي اليد لأمارة اليد في الدعاوي الماليّة، إذ لا خلاف في هذه الدعاوي في جريان أمارة اليد وإنّما الخلاف على أنّ ذا اليد هل هو المالك مع وجود هذه الأمارة أم لا؟
فلو اعتبرنا أمارة الفراش سبباً لتقديم قول الزوجة، فالحقّ ما ذهب إليه الشهيد الأوّل ولا وجه للتفصيل الذي ذكره الشهيد الثاني بين النزاع في أقلّ مدّة الحمل والنزاع في أقصى مدّته، إذ مع وجود أمارة الفراش لا يأتي دور الرجوع إلى الأصل تعييناً للمدّعي والمنكر وإنّما يقدّم قول من طابقت دعواه الأمارة، كما يقّدم في موارد جريان قاعدة اليد قولُ ذي اليد وإن خالف الأصل.
2 ـ النزاع في أقلّ مدّة الحمل ليس بالضرورة راجعاً إلى النزاع في زمان الدخول، بمعنى أن يكون الزوج مدّعياً لعدم الدخول في زمان يبعد عن زمان وضع الحمل ستّة أشهر حتّى يقدّم قول الزوج تمسّكاً بأصالة تأخّر الحادث، بل ربّما لم يكن هناك خلاف بين الزوجين في زمان وقوع الدخول، بل اختلفا في زمان وضع الحمل.
وسنطرح في الجلسة القادمة إن شاء الله الإشكال الآخر الوارد على قوله وأموراً أخرى.