بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ توافق الزوجين في عدم لحوق الولد – علم الزوج بتکّون الولد من الزنا

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّه إذا اتّفق الزوجان على عدم لحوق الولد بالزوج، فأيّ الصور تُسمع فيها دعوى الولد على خلافهما، ومتى لا تكون مسموعة.

ولكنّ الذي تقدّم في كلمات الشهيد الثاني من أنّ الواطي بالشبهة إذا ادّعى أنّ الولد له وقبل به الزوجان، فمجرّد ذلك لا يسبّب لحوق الولد بالواطي شبهةً، وإنّما ينبغي إقامة البيّنة عليه، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به بإطلاقه، لأنّ مستند قول الزوجين إن كان اتّفاقهما على عدم تحقّق المباشرة في المدّة التي يمكن فيها لحوق الولد بالزوج، فكيف يقيمان البيّنة على هذه الدعوى؟

كما أنّ الذي ورد في كلمات كاشف اللثام من أنّه إذا ادّعى الزوج عدم الدخول على الرغم من الخلوة بزوجته، فإنّ الأخبار تدلّ على عدم سماع قوله، فلا علاقة له بالمقام، لأنّ دلالة تلك الأخبار تخصّ ما إذا تنازع الزوجان في تحقّق الدخول، لا ما إذا اتّفقا على عدم الدخول.

 

قال المحقّق الحلّي: «ولو وطئها واطئ فجوراً، كان الولد لصاحب الفراش ولا ينتفي عنه إلا باللعان، لأنّ الزاني لا ولد له.»[1]

 

إذا زنت ذات البعل فحملت ولم يعلم الزوج بتكوّن الولد من الزنا ـ بمعنى أن يمكن لحوق الولد به ولا يوجد طريق مفيد للعلم بانتفاء انتساب الولد ـ فلا يحقّ له نفي الولد ويكون ملحقاً به.

وأمّا إذا لم تكن الشروط متوفّرة أو علم الزوج بطريقة ما بعدم لحوق الولد به، فيجب عليه نفي الولد وفي هذه الصورة إذا لم تؤيّده الزوجة وادّعت لحوقه به، فيتلاعنان على نفي الولد.

والدليل علی ما لحوق الولد بالزوج في الصورة الأُولی، هو القاعدة المشهورة القائلة بأنّ «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وعلى أساسها يُلحق الولد بالزوج لا الزاني مادام يمكن إلحاق الولد بالزوج ولم يُعلم خلافه.

نعم، هناك روايات في المقام تظهر في خلاف هذه الدعوى، کخبر داوود بن فرقد عن أبي عبدالله (ع)، قال: «أتى رجل رسول الله(ص) فقال: يا رسول الله(ص)! إنّي خرجت وامرأتي حائض فرجعت وهي حبلى. فقال له رسول الله(ص): من تتّهم؟ قال: أتّهم رجلين. قال: ائت بهما. فجاء بهما. فقال رسول اللهِ(ص): إن يك ابن هذا فيخرج قَططاً كذا وكذا. فخرج كما قال رسول الله(ص). فجعل مَعقُلته على قوم أُمّه وميراثه لهم ولو أنّ إنساناً قال له: يا ابن الزانية يجلد الحدّ.»[2] [3]

فالرواية ظاهرة في أنّ الزوج لم يتّهم زوجته بالزنا ولم يثبت زناها أيضاً ـ ولذلك ورد فيها أنّه إذا قال أحد للولد «يابن الزانية» جرى عليه حدّ القذف ـ وإنّما كان اتّهامه متوجّهاً إلى الرجلين اللذين وطئا زوجته. إذن لا زنا من جانب الأُمّ أو لم يثبت زناها على الأقلّ، غير أنّ الزنا ثابت من جانب الرجل المذكور، ولذلك حكم النبيّ(ص) بأنّ ميراث الولد لا يناله إلا أقرباؤه من أُمّه. وعليه فيمكن القول بأنّ النبيّ الأكرم(ص) بحسب هذه الرواية وخلافاً لقاعدة الفراش حكم بعدم لحوق الولد بذي الفراش على أساس القيافة.

ولكنّ الجواب الذي يمكن أن يقال بالنسبة إلى هذه الدعوى أوّلاً: هو أنّ الرواية لا سند لها ولا عبرة بها، وثانياً: أنّ الأصحاب أعرضوا عن مضمونها، وثالثاً: في مقام تعارضها مع الأخبار النافية لحجيّة الرجوع إلى القائف، تحمل على مورد إقامة الرجل بيّنةً تدلّ على أنّ مدّة غيبته كانت بحيث لا يمكن انتساب الولد إليه بحسبها.

ثمّ إنّ ما تقدّم يخصّ ما إذا وطئ الزاني امراةً ذات بعل، وأمّا إذا وطئها واطئ الشبهة وأمكن لحوق الولد بالزوج وبالواطئ شبهةً، فقد تقدّم تفصيله سابقاً في البحث عن أسباب التحريم في مبحث التحريم بالنسب.

كما أنّ اللعان بين الزوجين إنّما يخصّ ما إذا نفى الزوج الولد فقط، ولكن إذا ادّعى الزوج شيئاً لا يمكن لحوق الولد به على أساسه وأنكرته الزوجة، فالمسألة سيأتي ذكرها تباعاً.

وأمّا الذي قاله المحقّق من أنّ الزاني لا ولد له شرعاً، فإطلاقه مشكل وليس الحال أنّ الولد لا يلحق الزاني في أيّ حال، فإذا لم يحتمل غير اللحوق بالزاني شيء أو علم بلحوق الولد بالزاني، فالولد ملحق به وتجري عليهما كافّة أحكام البنوّة والأُبوّة سوی الأحكام التي دلّت الأدلّة الشرعيّة على عدم جريانها بينهما.


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص285.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص490.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص497، أبواب احکام الاولاد، باب100، ح2، ط آل البيت.