46/07/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ عدم انتفاء لحوق الولد بالزوج بمجرد توافق الزوجين
تابع الشهيد الثاني كلامه بالاستدلال على انتفاء نسبة الولد إلى الزوج بسبب اتّفاق الزوجين عليه وقال: «ثبوت الحكم بمجرّد اتّفاقهما على عدم الوطء في المدّة فوجهه أنّ الحقّ منحصر فيهما، والفعل لا يعلم إلا منهما، وإقامة البيّنة على ذلك متعذّرة أو متعسّرة، فلو لم نكتف باتّفاقهما عليه وألحقنا به الولد حتماً نظراً إلى الفراش، لزم الحرج والإضرار به، حيث يعلم انتفاءه عنه في الواقع ولا يمكنه نفيه ظاهراً. ولأنّ الشارع أوجب عليه نفيه عنه مع العلم بانتفائه، وجعل له وسيلة إليه مع إنكار المرأة باللعان، فلابدّ في الحكم من نصب وسيلة إلى نفيه مع تصادقهما ليثبت له الحكم اللازم له شرعاً، ولا يمكن ذلك باللعان، لأنّه مشروط بتكاذب الزوجين ليمكنهما الشهادة بالألفاظ الدالّة على صدق الشاهد وكذب المشهود عليه، وظاهر لزوم الضرر لو لم يثبت ذلك باتّفاقهما، إذ لا وسيلة له سواه...
نعم، يحصل الإشكال من وجه آخر، وهو منع انحصار الحقّ في الزوجين حتّى يقبل تصادقهما على ذلك، بل للولد في النسب حقّ أيضاً، وقد حكموا بأنه لو ادّعى مدّعٍ مولوداً على فراش غيره بأن ادّعى وطأه بالشبهة وصدّقه الزوجان، فلابدّ من البيّنة لحقّ الولد ولا يكفي تصديق الزوجين له في دعوى الولد، ومثل هذا آتٍ هنا إن وافق المصنّف على هذا المدّعى.
إلا أنّه يمكن منعه بما ذكرناه من الحرج والضرر، وكيف يجتمع الحكم بعدم جواز إلحاقه ووجوب نفيه مع الحكم بعدم انتفائه عنه بوجه من الوجوه حيث يتعذّر إقامة البيّنة؟»[1]
غير أنّ صاحب الجواهر رأى الإشكال المذكور في كلمات الشهيد الثاني من تعلّق حقّ الولد بمسألة لحوقه بالزوج وعدم انحصار الحقّ بالزوجين إشكالاً أساسيّاً، فلم يقبل باستدلال الشهيد الثاني على انتفاء لحوق الولد بالزوج بمجرّد اتّفاق الزوجين عليه، وقال: «اختلاف الأحكام ظاهراً وواقعاً غير عزيز، فلا يكون ذلك دليلاً على الدعوى.
نعم، قد يقال: إنّ التصادق منهما مسقط حقّ التداعي بينهما، أمّا الولد فإذا كبر كان له حقّ الدعوى، ويمكن حمل كلام المصنّف وغيره على ذلك.»[2]
وقال كاشف اللثام: «أمّا الحكم على الولد بالانتفاء فمشكل، لأنّه غيرهما فلا ينفذ فيه إقرارهما، مع عموم كون الولد للفراش. ويقوّيه ورود الأخبار بترك قولهما إذا أنكر الدخول مع تحقّق الخلوة.»[3]
أقول: الحقّ أنّ الذي للولد أن يقيم دعوىً فيه، هو جريان أمارة الفراش، فإذا عُلم أنّه لا يمكن إجراء هذه الأمارة لجهة ما، فلا وجه لاستماع دعواه، ولذلك إذا نفى الزوج الولد ولم تقبل الزوجة دعواه فيتلاعنان، ينتفي انتساب الولد بالزوج من دون أن يكون للولد دور في اللعان، لأنّ اللعان يزيل قابليّة جريان أمارة الفراش.
وعليه فإذا ادّعى الولد جريان قاعدة الفراش على الرغم من اتّفاق الزوجين على عدم لحوقه بالزوج، فله أن يقيم دعوىً على ذلك، وإلا فإنّ دعواه تكوّنه من فعل صادر من الزوجين فهي غير مسموعة.
فمثلاً إذا اتّفق الزوجان على عدم لحوق الولد بالزوج وادّعى الولد وقوع المباشرة بين الزوجين وأنّ ولادته کانت بين ستّة أشهر إلى تسعة أشهر منذ المباشرة، فلا يمكنه أن يقيم الدعوى ضدّ الزوجين، لأنّ وقوع المباشرة أمر خاصّ بهما ولا علاقة له بشخص ثالث ـ وإن ترتّبت عليه آثار على شخص ثالث تبعاً ـ والفرض أنّ الزوجين متّفقان على خلافه، لامتناع رفع الدعوى من قبل من ليست له طرفيّة مباشرة في مورد الدعوى ـ مثل ما إذا كان زيد مديناً لعمرو ثمّ مات زيد ولم يترك شيئاً، فلا يمكن لعمرو أن يقيم دعوىً على بكر يدّعي فيها أنّ بكراً كان مديناً لزيد ولم يسدّد دينه إليه في سبيل أن يلزم بكراً بأن يدفع ذلك المبلغ إلى ورّاث زيد ويستطيع عمرو استيفاء ما يغرمه بهذه الوسيلة ـ وبما أنّ تكوّن الولد من الزوج أو عدمه من الأُمور الخاصّة بالزوج والزوجة، فلا يمكن للولد أن يدّعي شيئاً بالنسبة إليه، وإن كان له نفع في القضيّة بالتب
والحال أنّ جريان أمارة الفراش لا تخصّ الزوجين ويجوز لشخص ثالث أن يدّعي جريانها فيما إذا كان لجريانها آثار بالنسبة إليه.
ويرد على مقالة صاحب المسالك وكشف اللثام أُمور سنطرحها في الجلسة القادمة إن شاء الله.