بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ اقوال العامة في موضوع اکثر مدة الحمل

 

قلنا أنّه لا مستند لمن قال بالعشرة أشهر في أقصى مدّة الحمل، كما ليس بالصحيح مستند القائلين بكونها سنة.

ولكن قال كاشف اللثام في توجيه كلام السيّد المرتضى: «لا يبعد حمل كلام الانتصار على نفي القول منّا بأزيد من سنة، ويؤيّده ما نقل عن الموصليّات من أولويّة التسعة. وبالجملة فلم يظهر في صريح قول بالسنة لغير ابن سعيد.»[1]

غير أنّ هذا الكلام لا يمكن الالتزام به، لأنّ حمل كلام السيّد المرتضى على نفي القول بالأكثر من سنة مخالف لظاهره ولا وجه لارتكابه مخالفة الظاهر. کما تقدّم أنّ كثيراً من الأصحاب صرّحوا بأنّ أقصى مدّة الحمل سنة، بمعنی أنّه يُلحق بالزوج فيما إذا وُلد إلى سنة.

ثمّ إنّ للعامّة أقوالاً عدّة في أقصى مدّة الحمل.

ورد في كتاب «الفقه الإسلاميّ وأدلّته»: «وأمّا‌ ‌أكثر ‌مدّة الحمل ففيه للعلماء أقوال أشهرها ما يأتي:

1 ـ سنتان؛ وهو رأي الحنفية، لقول عائشة: «لا يبقى الولد في رحم أُمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل»، فإن ولد الحمل لسنتين من يوم موت الزوج أو طلاقه، ثبت نسبه من أبيه المطلّق أو الميّت.

2 ـ أربع سنين؛ وهو رأي الشافعيّة والحنابلة، لأنّ ما لا نصّ فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد الحمل لأربع سنين، لأنّ نساء بني عجلان يحملن أربع سنين كما قال الإمامان أحمد والشافعي، وكما ذكر سابقاً، فإذا ولدت المرأة لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوّجت ولا وطئت ولا انقضت عدّتها بالقروء ولا بوضع الحمل، فإنّ الولد لاحق بالزوج وعدّتها منقضية بوضعه.

وإن أتت بالولد لأربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلاق أو فسخ أو انقضاء عدّتها إن كانت رجعيّة، لم يلحقه ولدها، لأنّنا نعلم أنّها علقت به بعد زوال النكاح والبينونة منه.

3 ـ خمس سنين؛ وهو المشهور عن المالكيّة والليث بن سعد وعبّاد بن العوامّ. قال مالك: بلغني عن امرأة حملت سبع سنين.

4 ـ سنة قمرية؛ هو رأي محمّد بن عبد الحكم من المالكيّة.

5 ـ تسعة أشهر قمرية؛ وهو رأي ابن حزم الظاهري وعمر بن الخطّاب.

ويظهر أنّ الأقوال الثلاثة الأُولى روعي فيها إخبار بعض النساء اللاتي ترين أنّ انتفاخ البطن علامة الحمل. لذا قال ابن رشد: «وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة، وقول ابن عبدالحكم والظاهريّة هو أقرب إلى المعتاد، والحكم إنّما يجب بالمعتاد لا بالنادر، ولعلّه أن يكون مستحيلاً.»

وقد رئي في القوانين المعمول بها الاعتماد على رأي الأطبّاء، فاعتبر أقصى مدّة الحمل سنة شمسيّة (365 يوماً) ليشمل كلّ الحالات النادرة. نصّت المادة (128) من القانون السوري على أنّ أقلّ مدّة الحمل مائة وثمانون يوماً، وأكثرها سنة شمسية.»[2]

ولذلك فإنّ بعض الأخبار الواردة في مجامعنا الدالّة على كون أقصى مدّة الحمل سنتين ـ مثل خبر غياث المتقدّم ذكره ـ قد حملت على التقيّة.

أمّا من منظور الطبّ الحديث فإنّ أقصى المدّة الطبيعيّة للحمل 37 إلى 42 أُسبوعاً احتساباً بدايتها منذ أوّل يوم آخر حيض رأته المرأة.

وأقل مدّة يحتمل فيها بقاء الجنين حيّاً من دون معدّات طبّيّة خاصّة هي 24 أُسبوعاً أو ستّة أشهر، واحتمال بقاء الطفل فيما دونها أقلّ من 10 بالمئة.

وفيما بعد 42 أُسبوعاً فإنّ حياة الجنين معرّضة للخطر ولذلك يقدم الأطبّاء على إخراجه من الرحم.

وعليه فإنّ الذي ورد في الروايات بالنسبة إلى أقلّ مدّة الحمل يطابق العلم الحديث، ولكن بالنسبة إلى أقصى مدّته بحسب العلم الحديث فإنّه قد يستمرّ من تسعة أشهر إلى عشرة ولا يمكن بعده، واختلافه مع ما ورد في الأخبار لاختلاف احتساب بداية الحمل في الأخبار وفي علم الطبّ، واحتمال بقاء الجنين في الرحم إلى سنة لا يزيد عن الصفر.

وعليه فيمكن القول: إنّ الذي ورد في الأخبار يطابق العلم الحديث، والذي ذهب إليه العامّة من إمكان استمرار الحمل إلى سنتين فما بعدها يخالف المعطيات العلميّة.

لكن ينبغي التدقيق في أنّ تعيين الحدّ الأدنى والأكثر للحمل إنّما هو لإلحاق الولد بالزوج في هذه المدّة تمسّكاً بقاعدة «الولد للفراش»، وفيما إذا وُلد الطفل خارج هذه الحقبة الزمنيّة، ففيما إذا وجد اطمئنان عرفيّ بانتساب الولد إلى الزوج بواسطة قرائن وأمارات باعثة للاطمئنان، فلا إشكال في لحوقه به.


[1] ـ كشف اللثام و الإبهام عن قواعد الأحكام، الفاضل الهندي، ج7، ص534.
[2] ـ الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي، وهبة، ج10، ص7251.