بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ الروايات و الأقوال في موضوع أکثر مدة الحمل

 

هناك رواية أخرى تدلّ على أن أقصى مدّة الحمل 9 أشهر وهي خبر عبدالرحمن بن سيابة عمّن حدّثه عن أبي جعفر(ع)، قال: «سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن أُمّه كم هو؟ فإنّ الناس يقولون: ربما بقي في بطنها سنين. فقال: كذبوا، أقصی حدّ الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة ولو زاد ساعة لقتل أُمّه قبل أن يخرج.»[1] [2]

القول الثاني: عشرة أشهر

قال الفاضل المقداد في التنقيح: «قال الشيخ في المبسوط: عشرة أشهر، واستحسنه المصنّف لكثرة وقوعه. وذكره سلار وابن حمزة رواية.»[3]

غير أنّ الذي نسبه إلى الشيخ غير صحيح على الظاهر، لأنّ الشيخ لم يذهب إليه في أيّ موضع من المبسوط، بل ذكر التسعة أشهر في مواضع عديدة.

وقال سلار في هذا السياق: «أقلّ الحمل ستّة أشهر، والأكثر تسعة أشهر، وقيل: عشرة أشهر»[4] ولم ينسب القول بعشرة أشهر إلى الرواية.

ولكن صحّت دعوى الفاضل المقداد بالنسبة إلى ابن حمزة[5] وقد رأى فخر المحقّقين[6] أيضاً أنّ القول مستند إلى الأخبار.

كما ذهب إليه العلامة في أكثر مصنّفاته[7] [8] [9] وتردّد في بعضها بين تسعة أشهر وعشرة[10] .

ولكنّ القول لا مستند له من الروايات. وقال الشهيد الثاني في المسالك: «ذكر جماعة أنّ به رواية ولكن لم أقف عليها.»[11]

القول الثالث: سنة

قال الشيخ المفيد في أحد مصنّفاته: «أقلّ الحمل لما يخرج حيّاً مستهلاً، فهو عند الإماميّة وجمهور العامّة واحد، وهو ستّة أشهر. وأمّا أكثره فهو عندهم سنة واحدة.»[12]

وقال السيّد المرتضى: «وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ أكثر مدّة الحمل سنة واحدة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.»[13]

وإن ذهب في المسائل الموصليّات إلی خلاف مقالته في الانتصار حيث قال فيه: «أمّا أكثر الحمل فالمشهور عند أصحابنا أنّه تسعة أشهر. وقد ذهب قوم إلى سنة من غير أصل معتمد، والمشهور ما ذكرناه.»[14]

وقال الحلبيّ: «أقلّ الحمل ستّة أشهر وأكثره تسعة أشهر والريب ثلاثة أشهر، فتصير الغاية في أكثر الحمل سنة كاملة.»[15]

وقال ابن زهرة: «أكثره في غالب العادة تسعة أشهر، بلا خلاف، وينضاف إلى ذلك أشهر الريب، وهي ثلاثة أشهر، وهي أكثر أيّام الطهر بين الحيضتين، فتصير أكثر مدّة الحمل سنة، بدليل إجماع الطائفة.»[16]

ونظيره عن ابن شهرآشوب[17] .

وقال ابن سعيد: «أقلّ الحمل ستّة أشهر وأكثره حول، وقيل: تسعة أشهر.»[18]

وقال العلامة في المختلف: «قول السيّد المرتضى لا بأس به، واعتذار أبي الصلاح جيّد.»[19]

واستدلّ عليه الشهيد الثاني قائلاً: «هذا القول أقرب إلى الصواب وإن وصفه المصنّف بالترك، إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقلّ من السنة، فاستصحاب حكمه وحكم الفراش أنسب وإن كان خلاف الغالب، وقد وقع في زماننا ما يدلّ عليه.

مع أنّه يمكن تنزيل تلك الأخبار على الغالب، كما يشعر به قوله(ع): «إنّما الحمل تسعة أشهر» ثمّ أمر بالاحتياط ثلاثة نظراً إلى النادر، ولكن مراعاة النادر أولى من الحكم بنفي النسب عن أهله، بل يترتّب ما هو أعظم من ذلك على المرأة، مع قيام الاحتمال معتضداً بقول سائر علماء الإسلام.»[20]

وقوّاه صاحب المدارك والسبزواري، ومال إليه الفيض الكاشانيّ[21] [22] [23] .

فالمستفاد ممّا تقدّم أنّ هؤلاء الأعاظم استفادوا من الأخبار المتقدّمة ـ مثل صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج وحسنة محمّد بن حكيم ـ أنّ ذكر تسعة أشهر في الأخبار لم يكن بعنوان أقصى ما يمكن من مدّة الحمل وإنّما كغاية اعتياديّة له، وإن أمكن استمرار الحمل في موارد نادرة إلى سنة، ولذلك أُمر بالاحتياط ثلاثة أشهر بعد التسعة، ثمّ يمكنها التزوّج.

وتؤيّده بعض الروايات:

1 ـ خبر ابن حكيم عن أبي إبراهيم أو أبيه(ع) أنّه قال: «في المطلّقة يطلّقها زوجها فتقول أنا حبلى فتمكث سنة، قال: إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدّق ولو ساعة واحدة في دعواها.»[24] [25]

2 ـ خبر حريز عمّن ذكره عن أحدهما(ع): «في قول الله عزّ وجلّ: (يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَمٰا تَغِيضُ الْأَرْحٰامُ وَمٰا تَزْدٰادُ)[26] ، قال: الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر، وما تزداد كلّ شي‌ء يزداد على تسعة أشهر، فکلّما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم.»[27] [28]

3 ـ خبر زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(ع)‌: «في قوله: (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ) يعني: الذكر والأُنثى، (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال: الغيض ما کان أقلّ من الحمل (وَمَا تَزْدادُ) ما زاد على الحمل، فهو مكان ما رأت من الدم في حملها.»[29]

4 ـ خبر زرارة عن أبي عبدالله(ع): «في قول الله: (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ) قال: الذكر والأُنثى(وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال: ما كان دون التسعة فهو غيض، (وَمَا تَزْدادُ) قال: ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة الأشهر، إن كانت رأت الدم خمسة أيّام أو أقلّ أو أكثر، زاد ذلك على التسعة الأشهر.»[30]

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص52.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص380، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح3، ط آل البيت.
[3] التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‌، الفاضل مقداد‌، ج3، ص263.
[4] المراسم في الفقه الامامي، الفقيه سلار، ج1، ص155.
[5] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص318.
[6] إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد‌، الحلي، فخر المحققين، ج3، ص259.
[7] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، العلامة الحلي، ج2، ص38.
[8] قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج3، ص98.
[9] تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، العلامة الحلي، ج1، ص143.
[10] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، العلاّمة الحلّي، تحقيق إبراهيم البهادري، ج4، ص15.
[11] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص377.
[12] الأعلام، الشيخ المفيد، ج1، ص41.
[13] الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد الشريف المرتضي، ج1، ص345.
[14] رسائل الشريف المرتضى، السيد الشريف المرتضي، ج1، ص192.
[15] الكافي في الفقه، الحلبي، أبو الصلاح، ج1، ص314.
[16] غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، ابن زهرة، ج1، ص387.
[17] متشابه القرآن و مختلفه، ابن شهرآشوب، ج2، ص202.
[18] الجامع للشرايع، الحلي، يحيى بن سعيد، ج1، ص461.
[19] مختلف الشيعة في أحكام الشريعة‌، العلامة الحلي، ج7، ص316.
[20] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص376.
[21] نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان، الموسوي العاملي، السيد محمد بن علي، ج1، ص433.
[22] كفاية الأحكام، المحقق السبزواري، ج2، ص275.
[23] مفاتيح الشرائع، الفيض الكاشاني، ج2، ص274.
[24] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص101.
[25] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج22، ص223، أبواب العدد، باب25، ح3، ط آل البيت.
[26] سوره رعد، آيه 8.
[27] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص12.
[28] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص381، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح6، ط آل البيت.
[29] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج2، ص204.
[30] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج2، ص205.