بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أحکام الأولاد/ شروط إلحاق الولد/ إختيار الزوج في لحوق الولد أو نفيه – أکثر مدة الحمل

 

في قبال القول بعدم إمكان إلحاق الولد فيما إذا كانت مدّة الحمل أقلّ من ستّة أشهر، قال الشيخ المفيد: «وإن ولدته حيّاً تامّاً لأقلّ من ستّة أشهر من يوم لامسها، فليس بولد له في حكم العادة وهو بالخيار، إن شاء أقرّ به وإن شاء نفاه عنه.»[1]

وقال الشيخ في النهاية: «إن جاءت به لأقلّ من ستّة أشهر حيّاً سليماً، جاز له نفيه عن نفسه»[2] الذي يستفاد منه أنّ الزوج مختار بين نفي الولد وبين إلحاقه بنفسه.

وقال كاشف اللثام في توجيه دعوى المفيد: «لا يظهر له وجه إلا خبر أبان بن تغلب... وهو مع الضعف يحتمل عدم حياة الولد أو تمامه وإن يتنازعا في المدّة.»[3]

ولكن ـ كما قلنا ـ لا دلالة في خبر أبان على هذه الدعوى.

وعليه فيمكن أن نقول في توجيه دعوى الشيخ المفيد بأنّ الذي استفاده من الأخبار هو أنّ مدّة الحمل إن قلّت عن ستّة أشهر، فأمارة الفراش لإلحاق الولد منتفية، فإذا وجد الزوج قرائن لإلحاق الولد بحيث يطمئنّ قلبه بها، فله أن يلحق الولد بنفسه تمسّكاً بتلك القرائن.

وبعبارة أُخرى: إنّ الذي يحصل بسبب قلّة مدّة الحمل عن ستّة أشهر هو زوال أماريّة الفراش للحوق الولد، غير أنّ هذا لا ينافي أن يلحق الزوج الولدَ بنفسه بسبب الاطمئنان الحاصل له.

غير أنّ هذا مشكل من حيث إنّ اطمئنان الزوج بلحوق الولد ينبغي أن يكون عرفيّاً وإلا فلا عبرة به، وبناءً على ما يتحصّل من رأي الأطبّاء والمتخصّصين في الموضوع، فإنّ احتمال بقاء الولد في صورة وضع الحمل قبل ستّة أشهر قليل جدّاً لا يعتنى به. نعم، لو أمكن بطريقة ما أن يستبقى الطفل حيّاً بعد وضع الحمل ـ مثل أن يُحفظ في رحم اصطناعيّة ـ فلا يبعد حينئذٍ أن يقال إنّ وضع الحمل دون ستّة أشهر لا يمنع من التمسّك بأمارة الفراش، إلا أنّه لا يجوز في هذه الصورة نفي الولد للزوج، لا أنّه مخيّر بين قبوله ونفيه.

ما تقدّم إلى هاهنا كان بالنسبة إلى ولادة الطفل حيّاً، ولكن إذا وُلد ميّتاً وناقصاً، فلا مانع من لحوقه بالزوج ولو فيما دون ستّة أشهر من الحمل، لوضوح إمكانيّة بقاء الطفل في الرحم أقلّ من ستّة أشهر ثمّ سقطه.

غير أنّه إذا ثبت بحسب كلام المتخصّصين أنّ الطفل السقط قد مضت من حمله مدّة لا يمكن فيها عادة تكوّنه من الزوج ـ مثل أن يكون قد مضى من حمله أربعة أشهر بينما كان الزوج في سفر لأكثر من أربعة أشهر ولم يباشر زوجته فيها ـ فالولد في هذه الصورة أيضاً لا يُلحق بالزوج.

ولذلك قال صاحب الرياض في هذا الخصوص: «في غير الكامل ممّا تسقطه المرأة يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه ليجب عليه التكفين ومؤونة التجهيز ونحو ذلك من الأحكام الغير المترتّبة على حياته إلى المعتاد لمثله من الأيّام والأشهر وإن نقصت عن الستّة الأشهر، فإن أمكن عادة كونه منه لحقه حكمه، وإن علم عادةً انتفاؤه عنه لغيبته عنه مدّة تزيد عن تخلّقه عادة، انتفى عنه.»[4]

وبعبارة أخرى، فالولادة دون ستّة أشهر بالنسبة إلى السقط لا تمنع من لحوقه بالزوج، إلا إذا عُلم عدم لحوقه به بطريقة ما.

 

الشرط الثالث: أن لا تتجاوز مدّة الحمل أقصاه

الشرط الثالث المذكور للحوق الولد بالزوج هو أن لا تزيد مدّة الحمل أقصى مدّته.

وقد ذكر لأقصى مدّة الحمل أقوال:

القول الأوّل: تسعة أشهر

هذا القول ـ كما سبق في كلمات المحقّق ـ هو الأشهر بين الأصحاب بل اعتبره صاحب الجواهر [5] مشهوراً، بل ادّعى الإجماع عليه ابن الجنيد[6] والشيخ[7] [8] .

والدليل المذكور لهذه الدعوى بعض الأخبار:

1 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: «سمعت أبا إبراهيم(ع) يقول: «إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حَبَلاً انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت وإلا اعتدّت ثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه.»[9] [10]

2 ـ موثّقة محمد بن حكيم عن أبي الحسن(ع)، قال: «قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، كم عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر. قلت: فإنّها ادّعت الحَبَل بعد ثلاثة أشهر؟ قال: عدّتها تسعة أشهر. قلت: فإنّها ادّعت الحَبَل بعد تسعة أشهر؟ قال: إنّما الحَبَل تسعة أشهر. قلت: تزوّجُ؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر. قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر؟ قال: لا ريبة عليها، تزوّجُ إن شاءت.»[11] [12]

وفي حسنة محمّد بن حكيم مثل ذلك[13] [14] .

وسنذكر بقيّة المطالب في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] المقنعة، الشيخ المفيد، ج1، ص538.
[2] النهاية، الشيخ الطوسي، ج1، ص505.
[3] كشف اللثام و الإبهام عن قواعد الأحكام، الفاضل الهندي، ج7، ص534.
[4] رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج12، ص104.
[5] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص224.
[6] مختلف الشيعة في أحكام الشريعة‌، العلامة الحلي، ج7، ص315.
[7] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج5، ص290.
[8] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج5، ص88.
[9] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص101.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج22، ص223، أبواب العدد، باب25، ح1، ط آل البيت.
[11] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص101.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج22، ص223، أبواب العدد، باب25، ح2، ط آل البيت.
[13] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص102.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج22، ص224، أبواب العدد، باب25، ح4، ط آل البيت.