بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق/ شروط إلحاق الولد/عدم اشتراط الوطي من القُبُل في لحوق الولد - تجاوز مقدار أقلّ مدّة الحمل

 

يُعلم بالنظر إلى ما تقدّم جواب السؤال الثاني الذي طرحناه في بداية البحث.

لكن ابن إدريس لا يرى مجرّد تحقّق الدخول كافياً في لحوق الولد ويشترط الدخول في القُبل حيث قال: «ومتى وطئ امرأته أو جاريته وكان يعزل عنهما وكان الوطء في القبل وجاءت المرأة بولد، وجب عليه الإقرار به ولا يجوز له نفيه لمكان العزل.»[1]

وقال الشهيد الثاني في الروضة: «المراد به ـ على ما يظهر من إطلاقهم وصرّح به المصنّف في قواعده ـ غيبوبة الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل. ولا يخلو ذلك من إشكال إن لم يكن مجمعاً عليه، للقطع بانتفاء التولّد عنه عادة في كثير من موارده، ولم أقف على شيء ينافي ما نقلناه يعتمد عليه.»[2]

وقال السيّد العاملي: «ويتحقّق الدخول الموجب لإلحاق الولد بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن لم يُنزل، أو كان قد عزل عن الزوجة، لإمكان أن يسبقه شيء من الماء من غير أن يشعر به.

وقد يقع الإشكال مع العلم بعدم نزول الماء.

وذكر المصنّف في الشرائع وغيره أنّ الوطء في الدبر على هذا الوجه يساوي الوطء في القبل في هذا الحكم، وهو أشدّ إشكالاً.

وربّما ظهر من كلام ابن إدريس في السرائر والعلامة في التحرير أنّه لا عبرة بالوطء في الدبر، وهو متّجه.»[3]

ولكن يمكن القول ـ نظراً لما تقدّم ـ بأنّه ليس فقط من غير الضروري الوطء في القبل أو مع الإنزال في إلحاق الولد بالزوج بل لا دليل على اعتبار أصل الوطء أيضاً فيه، وإنّما يلزم أن تكون الظروف بحيث يحتمل عادة تكوّن الولد من الزوج، ولكن ظاهر كلمات من أشكل في كفاية بعض أقسام الوطء للحوق الولد هو أنّه استبعد تكوّن الولد من الزوج في تلك الصور، والحال أنّه لا وجه لهذا الاستبعاد، بل قد وردت في بعض الصور ـ كالعزل أو عدم الإنزال ـ روايات تدلّ على لحوق الولد.

منها: خبر أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه(ع)، قال: «جاء رجل إلى النبي(ص) فقال: كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد، فقال(ع): إنّ الوكاء قد ينفلت، فألحق به الولد.»[4] [5]

و أشکل صاحب الجواهر على دعوى من اشترط الإنزال في لحوق الولد، وقال: «مع فرض إمكان سبق المنيّ وعدم الشعور به، لا سبيل حينئذٍ للقطع بنفي الاحتمال ولو بعيداً مع تحقّق مسمّى الدخول.»[6]

وفيه أوّلاً: أنّه ـ كما تقدّم ـ ينبغي أن يكون الاحتمال عاديّاً ولا يكفي الاحتمال البعيد المخالف للعادة في لحوق الولد. وثانياً: الظاهر من كلماته اعتبار الدخول في لحوق الولد، بينما قلنا بأنّه لا دليل على اعتباره.

وكذا يُعلم إشكال دعوى صاحب المسالك الذي قال: «يتحقّق الدخول الموجب لإلحاق الولد وغيره من الأحكام بغيبوبة الحشفة خاصّة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن لم يُنزل، على ما ذكره الأصحاب في مواضع كثيرة»[7] بما تقدّم، حيث عندما لا يشترط أصل الدخول في لحوق الولد فلا وجه حينها للبحث عن الشروط المعتبرة فيه.

 

الشرط الثاني: تجاوز مقدار أقلّ مدّة الحمل

الشرط الثاني المذكور في كلمات الأصحاب للحوق الولد بالزوج هو تجاوز مقدار أقلّ مدّة الحمل منذ زمان الوطء حتّى زمان وضع الحمل.

يقول الشهيد الثاني في اعتبار هذا الشرط في لحوق الولد بالزوج: «أجمع علماء الإسلام على أنّ أقلّ المدّة التي يمكن فيها تولّد الإنسان حيّاً كاملاً ونشؤه من حين الوطء إلى حين الولادة، ستّة أشهر.

ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً)[8] مع قوله تعالى: (وَفِصٰالُهُ فِی عٰامَيْنِ)[9] ، فتركّب من الأمرين أنّ حمله يكون ستّة أشهر، لأنّها الباقية من الثلاثين شهراً عن العامين، وليست هذه المدّة أقصى مدّة الحمل بالإجماع والوجدان وإنّما هي أقلّ مدّته.»[10]

وجه الاستدلال بالآيات الشريفة أنّه يستفاد من مجموعها أنّ مدّة الحمل المذكورة في القرآن ستّة أشهر، وبما أنّه يحتمل بالنسبة إلى هذه المدّة ثلاثة احتمالات: 1 ـ أن تكون أقلّ مدّة الحمل؛ 2 ـ أن تكون أكثر مدّة الحمل؛ 3 ـ أن لا تكون أيّ منهما، ونحن نعلم أنّ أكثر مدّة الحمل لا تكون ستّة أشهر، وإذا لم تكن الستّة أشهر أقلّ مدّة الحمل ولا أكثرها، فلا وجه لاختصاصها بالذكر، فيتعيّن الاحتمال الأوّل من بين الاحتمالات.

كما يمكن الاستفادة من سياق الآية ـ الذي يحاول بيان العناء والصعوبة التي تتكبّدها الوالدة لرعاية الولد ـ أنّ الآيات السالفة تحاول بيان أقلّ مدّة تتحمّل الأُمّ فيها مشاكل إنجاب الأولاد، بمعنى أنّ أقل مدّة تستثمرها الأُمّ في إنجاب الولد ستّة أشهر، إذ لو وُجدت أُمّ تمرّ بأقلّ من هذه المدّة للحمل فإنّ الآية لا تشملها.

وقد تمسّكوا ببعض الأخبار في هذا السياق:

1 ـ صحيحة الحلبي: «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدّت ونكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها، وإن وضعت بعدما تزوّجت لستّة أشهر، فإنّه لزوجها الأخير.»[11] [12]

2 ـ خبر أبي العبّاس، قال: «إذا جاءت بولد لستّة أشهر فهو للأخير، وإن كان أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل‌.»[13] [14]

3 ـ خبر زراراة، قال: «سألت أبا جعفر(ع) عن الرجل إذا طلّق امرأته ثمّ نكحت وقد اعتدّت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأوّل، وإن كان ولد أنقص من ستّة أشهر، فلأُمّه ولأبيه الأوّل، وإن ولدت لستّة أشهر فهو للأخير.»[15] [16]

4 ـ ما رواه جميل بن درّاج بسند صحيح‌: «في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر، فهو للأخير، وإن جاءت بولد في أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل.‌»[17] [18]

ولکن لا دلالة في هذه الروايات على أنّ مدّة الحمل إن قلّت عن ستّة أشهر فإنّ الولد لا يُلحق بالزوج مطلقاً، بل غاية ما تدلّ عليه في مقام التعارض أنّه إذا مضى أقلّ من ستّة أشهر من مدّة زوجيّة زوجين ومضى أكثر من ستّة أشهر من مدّة زوجيّة زوجين آخرين، فالولد يُلحق بالزوجين الثانيين، وإن أمكن الاستناد إلى هذه الأخبار لتأييد الحكم المستفاد من الآية الشريفة.

نعم، يمكن أن نستفيد منها أنّه لا يشترط مضيّ ستّة أشهر منذ زمان الوطء، وإنّما يشترط مضيّ ستّة أشهر عن الزمان الذي يمكن فيه تكوّن الولد من الزوج فيه، إذ لم يرد في أيّ من الأخبار مضيّ ستّة أشهر أو أقلّ عن زمان الوطء اللاحق، بل ظاهرها أن يمضي عن زمان النكاح الثاني ستّة أشهر أو أكثر. ولكن قلنا: إنّه لا يكفي مجرّد النكاح والزوجيّة للحوق الولد وإنّما يلزم وجود احتمال لحوق الولد عادةً أيضاً.

وفي المقام روايات أُخرى سندرسها في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.


[1] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج2، ص658.
[2] الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، ج5، ص432.
[3] نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان، الموسوي العاملي، السيد محمد بن علي، ج1، ص432.
[4] قرب الإسناد - ط الحديثة، الحميري، أبو العباس، ج1، ص140.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص378، أبواب احکام الاولاد، باب15، ح1، ط آل البيت.
[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص223.
[7] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص377.
[8] سوره احقاف، آيه 15.
[9] سوره لقمان، آيه 14.
[10] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص373.
[11] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص491.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص380، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح1، ط آل البيت.
[13] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص470.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص383، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح13، ط آل البيت.
[15] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج8، ص167.
[16] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص383، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح11، ط آل البيت.
[17] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص470.
[18] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص383، أبواب احکام الاولاد، باب17، ح13، ط آل البيت.