46/06/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: احکام الاولاد/ شروط إلحاق الولد/ کفاية الاحتمال العادي في لحوق الولد
تقدّم في قاعدة: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» أنّ دلالتها السلبيّة تعود إلى ما وُجد الفراش واحتُمل لحوق الولد بذي الفراش.
غير أنّ دلالتها الإيجابيّة مطلقة ويمكن القول بأنّه إذا كان الولد يلحق ذي الفراش عند احتمال لحوق الولد بغير ذي الفراش بواسطة وقوع الزنا لمجرّد أمارة الفراش، فمن الأولى لحوقه بذي الفراش فيما إذا لم يحصل زناً ولم يكن هناك إلا الفراش.
والذي ينبغي الالتفات إليه أنّ المراد من الاحتمال الكافي في لحوق الولد هل هو الاحتمال العقليّ أو العادي؟
اهتمّ العامّة بذلك واختلفوا فيه، حيث جاء في الموسوعة الكويتيّة: «الثاني: إمكان تلاقي الزوجين بعد العقد، فإن طلّق الزوج زوجته في مجلس العقد أو جرى عقد الزواج وكان الزوجان متباعدين أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، لم يلحقه الولد عند الجمهور.
جاء في جواهر الإكليل: إذا ادّعت الولد زوجة مغربيّة مثلاً على زوج لها مشرقي مثلاً وكلّ منهما ببلده لم يغب عنها غيبة يمكنه الوصول فيها للآخر عادة، فينتفي عنه بلا لعان، لاستحالة كونه منه عادة...
وقال الشافعيّة أيضاً: الزوجة تكون فراشاً بمجرّد الخلوة بها حتّى إذا ولدت للإمكان من الخلوة بها، لحقه وإن لم يعترف بالوطء، لأنّ مقصود النكاح الاستمتاع والولد، فاكتفي فيه بالإمكان من الخلوة...
وجاء في نيل المآرب: وإن لم يمكن كونه من الزوج مثل ما لو ...علم أنّه لم يجتمع بها زمن الزوجيّة ـ كما لو تزوّجها بحضرة جماعة، ولا فرق بين أن يكون مع الجماعة حاكم أو لا، ثمّ أبانها في المجلس أو مات الزوج بالمجلس أو كان بين الزوجين وقت العقد مسافة لا يقطعها في المدّة التي ولدت فيها، كمشرقي تزوّج مغربيّة ثمّ مضت ستّة أشهر وأتت بولد ـ لم يلحقه نسبه...
وعند الحنفيّة يلحقه، لأنّ عقد الزواج الصحيح عندهم كافٍ في ثبوت النسب حتّى لو لم يلتقيا.
جاء في حاشية ابن عابدين: اكتفى الحنفيّة بقيام الفراش بلا دخول، كتزوّج المغربي بمشرقيّة بينهما سنة فولدت لستّة أشهر منذ تزوّجها.»[1]
وقال صاحب الجواهر في كتاب اللعان بهذا الشأن: «لو تزوّج الشرقيّ بغربيّة وأتت بولد لستّة أشهر من العقد لم يلحق به، لعدم الإمكان عادة، ولا لعان لنفيه، خلافاً لبعض العامّة حيث اكتفى في الإلحاق بالعقد وقدرته على الوطء وإن لم يكن عادة.
وفرّع عليه مسائل:
منها: هذه المسألة.
ومنها: أنّه إذ تزوّج بامرأة بحضرة القاضي وطلّقها في الحال ثمّ أتت بولد لستّة أشهر من العقد، لحق به ولم ينتف إلا باللعان.
ومنها: أنّه إذا غاب عنها زوجها وانقطع خبره، فقيل لها: «إنّه مات» فاعتدّت ثمّ تزوّجت فأولدها الزوج الثاني أولاداً ثمّ عاد الأوّل، فالأولاد لاحقون به ولا شيء للثاني، بل عن بعض العامّة الذين وافقونا في اعتبار إمكان الوطء أنّه قال: «إذا مضى زمان يمكن فيه قطع ما بين الزوجين من المسافة ثمّ مضى أقلّ زمان الحمل، فإنّه يلحق به وإن علم أنّ أحداً من الزوجين لم يبرح إلى الآخر».
ولا يخفى عليك وضوح فساد ذلك كلّه، بل منه فشا الزنا في نسائهم ولحوق أولاد غير الأزواج بهم وازدادت ولادتهم خبثاً إلى خبث.»[2]
أقول: الوجه في عدم الحكم بلحوق الولد مع انتفاء الاحتمال العادي لإمكان الحمل هو أنّ مستند لحوق الولد هو أماريّة الفراش، وحجيّة الأمارة إنّما تمتدّ إلى ما لم يكن بخلافه اطمئنان، والمراد من الاطمئنان على خلاف مفاد الأمارة هو الاطمئنان العادي، ولذلك فإذا لم يُحتمل عادةً انتساب الولد إلى الزوج، فلا يمكن إلحاق الولد إليه استناداً إلى أمارة الفراش.
ومن هنا ذكر بعض الأصحاب شروطاً أُخرى للحوق الولد واعتبروها دخيلة في احتمال حمل الزوجة من الزوج.
قال العلامة في الإرشاد: «لو لم يدخل، أو جاء لأقلّ من ستة حيّاً كاملاً، أو لأكثر من عشرة، أو كان له دون عشر سنين، أو كان خصيّاً ومجبوباً، لم يلحق به ولا يجوز له إلحاقه به.»[3]
وقال السيّد العاملي: «لابدّ أن يكون الزوج ممّن يمكن التولّد منه من جهة السنّ، فلو كان صغيراً لا يمكن حصول التولّد منه، لم يلحق به الولد.
واكتفى العلامة في الإرشاد فيه بلوغ العشر، والأولى الرجوع فيه إلى العادة.»[4]
والحقّ أنّ الملاك الذي ذكره صاحب المدارك صحيح، وما يعتبر في إمكان لحوق الولد هو أنّ هذا اللحوق هل يمكن بحسب العادة أو لا، وعليه فبعض الأُمور ـ مثل كونه مجبوباً ـ لا تمنع من إلحاق الولد.