بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ عرفيّة مفهوم الإکراه

 

قلنا: إنّ الظاهر من كلمات المحقّق والشيخ أنّ حرمان الزوج زوجته من حقوقها، لا يؤدّي إلى صدق الإكراه على بذل الزوجة للمال في قبال الطلاق.

قال صاحب المسالك في توضيح دعوى المحقّق: «المراد بالحقّ‌ الذي منعها إيّاه فبذلت له الفدية لأجله، الحقّ‌ الواجب لها من القسمة والنفقة ونحوهما. وإنّما لم يكن ذلك إكراهاً ـ وإن كان محرّماً ـ لأنّه أمر منفكّ‌ عن طلب الخلع ولا يستلزمه، بل قد يجامع إرادة المقام معها، وإنّما الباعث على تركه حقّها ضعف دينه وحرصه على المال وميله إلى غيرها زيادة، ونحو ذلك ممّا لا يستلزم إرادة فراقها ولا يدلّ‌ عليه بوجه.

ونبّه بقوله: «أو أغارها» ـ أي: تزوّج عليها ـ على أنّه لا فرق في ذلك بين ترك حقوقها الواجبة وغيرها، لأنّ إغارتها غير محرّمة وترك شيء من حقّها الواجب محرّم، وكلاهما لا يقتضيان الإكراه...

وكذا لو قصد بترك حقّها ذلك ولم يظهره لها وإن كان آثما.

أمّا لو أظهر لها أنّ تركه لأجل البذل، كان ذلك إكراهاً. وأظهر منه ما لو أكرهها على نفس البذل.

وما ذكره المصنّف قول الشيخ في المبسوط. ووافقهما عليه العلامة في الإرشاد. وفي التحرير نسب القول إلى الشيخ ساكتاً عليه مؤذناً بتردّده فيه أو ضعفه. وفي القواعد قيّد حقوقها بالمستحبّة، ومفهومه أنّه لو منع الواجبة كان إكراهاً»[1]

المستفاد من كلماته أنّه يجب أن نفرّق بين ما إذا لم يقل الزوج لزوجته شيئاً لتعلم أنّ محروميّتها عن حقوقها الواجبة من قبل الزوج إنّما كان لترضى بالخُلع، وبين أن يقول لها ذلك، إذ لا يتحقّق في الصورة الأُولى إكراه على الخُلع ولو كان داعياً على فعل الزوج، ولكنّه متحقّق في الصورة الثانية.

غير أنّ صاحب الجواهر قال بتحقّق الإكراه على جميع الصور، معلّلاً إيّاه بقوله: «أمّا الصورة السابقة فهي إن لم تكن إكراهاً فقد يقال بحرمة البذل عليه أيضاً، لاندراجه في قوله تعالى: (وَلٰا تُمْسِكُوهُنَّ‌ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا)[2] المفسّر بذلك، بل قد يقال: بحرمته عليه في الأُولى أيضاً، وهي فيما لو ضارّها حتّى بذلت ولم يكن من قصده ذلك، لكونه أشبه شيء بعوض المحرّم، بل يمكن اندراجه في الآية أيضاً.

ولا ينافيه قوله تعالى: (وَإِنِ‌ امْرَأَةٌ‌ خٰافَتْ‌ مِنْ‌ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فَلٰا جُنٰاحَ‌ عَلَيْهِمٰا أَنْ‌ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً)[3] وذلك لما عرفت ممّا ورد في تفسير هذه الآية من النصوص ـ التي فيها الصحيح وغيره ـ أنّ المراد بها الامرأة التي تخشى الطلاق أو التزويج عليها أو كان الرجل يكرهها أو لا تعجبه أو نحو ذلك ممّا يؤدّي إلى فراقها، فأسقطت بعض حقوقها لإرادة إمساكها وعدم طلاقها، وهذا غير المفروض الذي هو ترك حقوقها الواجبة عليه فبذلت له مالاً للخلاص من يده ومن أسره، إذ هي كالمظلوم في يد الظالم، فيبذل له للتخلّص من ظلمه، فإنّ ذلك لا ريب في حرمته على الظالم وإن لم يكن قد قصد بالظلم ذلك المبذول، ولعلّه إلى ذلك أومأ العلامة في تقييد الحقوق بالمستحبّة في القواعد.»[4]

والذي قاله في تفسير الآية 231 في سورة البقرة يؤيّده كلام الفخر الرازي الذي قال في تفسيرها: «الثاني في تفسير الضرار: سوء العشرة والثالث: تضييق النفقة. واعلم أنّهم كانوا يفعلون في الجاهليّة أكثر هذه الأعمال رجاء أن تختلع المرأة منه بمالها.»[5]

والحقّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر، لأنّ الإكراه مفهوم عرفي لم يبيّنه الشرع، وعليه فتمييز موارد تحقّق الإكراه يحتاج الرجوع إلى العرف، وكلّما كان تضايق الشخص ظلماً ولم يكن له سبيل للخلاص من المضيقة إلا القيام بفعل معيّن، فإنّ العرف يرى الفاعل في عمله مُكرهاً ولو لم يكن داعي المضيِّق أن يرتكب الفاعل ذلك الفعل المعيّن.

وعليه فيمكن القول فيما نحن فيه: حيث يکون فعل الزوج في التضييق على الزوجة ظلماً وليس للزوجة سبيل للخلاص منه إلا رضاها بالخُلع، فيمكن عدّها مُكرَهة. نعم، لو كان لها سبيل آخر للتخلّص من هذه الظروف ـ كالرجوع إلى حاكم الشرع لإحقاق حقّها ـ ومع ذلك أقدمت على بذل مالها مقابل الطلاق، فيمكن الادّعاء بأنّ عنوان المُكرَه لا يصدق عليها في هذه الصورة، إلا إذا كان الإقدام من سائر السبل متعسّراً بحيث يعتبره العرف غير مقدور.

ومن هنا قال صاحب الرياض أيضاً أنّ الزوجة إذا رضيت بالبذل عن طيب نفسها على الرغم من وجود الإكراه، فلا مانع من قبول بذلها للزوج[6] ، وإن كان صاحب الجواهر يعتبر هذا الفرض خروجاً عن فرض المسألة[7] .


[1] ـ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص372.
[2] سوره بقره، آيه 231.
[3] سوره نساء، آيه 128.
[4] ـ جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص220.
[5] ـ التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، الرازي، فخر الدين، ج6، ص453.
[6] ـ رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج12، ص96.
[7] ـ جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص222.