46/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ تحقق الإکراه علی الطلاق في صورة منع الزوج من حقوق الزوجة
في سياق ما تقدّم في الجلسة السابقة، أشكل صاحب الجواهر على دعوى الشيخ والشهيد الثاني وقال: «لا يخفى عليك ما فيه من النظر في أصل المطلب فضلاً عن بعض الخصوصيّات، ضرورة لزوم كلّ شرط سائغ عليهما أو على أحدهما، لعموم الأدلّة القاضية بكونهما حكمين وأنّه لا يبطل منه إلا الباطل بأصل الشرع، فليس حينئذٍ من الشروط ما لهما الالتزام به ولهما نقضه كما هو واضح.»[1]
قال المحقّق الحلّي: «الثانية: لو منعها شيئاً من حقوقها أو أغارها فبذلت له بذلاً ليخلعها، صحّ وليس ذلك إكراهاً.»[2]
قال الشيخ في المبسوط: «إذا أكرهها على الخلع فبذلت عوضاً واختلعت نفسها مكرهة، كان الخلع باطلاً وعليه ردّ ما أخذه منها بغير حقّ والطلاق واقع، لأنّه أوقعه باختياره، وله الرجعة، لأنّ الرجعة إنّما تسقط بأن يحصل له العوض، فإذا لم يحصل له العوض لم يسقط الرجعة.
وهكذا إن كان الإكراه أن منعها حقّها فبذلت الفدية واختلعت نفسها، كان هذا إكراهاً فلا يصحّ أخذ الفدية به ولا تسقط الرجعة، فجعل منع الحقّ إكراهاً.
هذا عند بعض المخالفين، فأمّا عندنا فالذي يقتضيه المذهب أن نقول: إنّ هذا ليس بإكراه، لأنّه لا دليل عليه.»[3]
إذا قام الزوج بفعل غير محرّم في حدّ نفسه ـ مثل أن يتّخذ زوجة أُخرى أو جارية ـ فلا إشكال في صحّة طلاق الخلع حتّى وإن كانت نيّته في فعله أن تطلب الزوجة طلاق الخلق بسبب ذلك ويطلّقها الزوج مقابل عوض، إذ مع افتراض أنّ الفعل الصادر منه جائز له شرعاً، لم يتحقّق إكراه على طلاق الخلع، ومجرّد كون الداعي لفعله أن تطالبه الزوجة بطلاق الخلع لا يكفي في صدق الإكراه عليه.
كما أنّه لا إشكال في عدم صحّة طلاق الخلع فيما إذا أكره الزوج زوجته عليه، لاشتراط وجود الاختيار في تحقّق البذل من الزوجة المنتفي في فرض الإكراه.
وأمّا بالنسبة إلى أنّه هل الطلاق باطل من أصله أو أنّه تحقّق على نحو رجعي، فبحسب دعوى الشيخ يكون الفعل الصادر من الزوج ـ أي الطلاق ـ مستقلاً عن الفعل الصادر من الزوجة ـ أي بذل العوض ـ وفساد الفعل الصادر من الزوجة لا يسبّب فساد فعل الزوج، فيمكن القول بوقوع أصل الطلاق. نعم من الجانب الحُكمي، فإنّ الطلاق الصادر من الزوج مرتبط بالبذل المتحقّق من قبل الزوجة، وإذا ما تحقّق بذلها للعوض فالعلاقة بين هذين الفعلين تسبّب ترتّب أحكام خاصّة على الطلاق المذكور ممّا يختلف عن الأحكام المترتّبة على الطلاق غير المرتبط ببذل الزوجة، ولكن قطع الصلة بين الطلاق وبين بذل الزوجة، لا يزيل أصل الطلاق وإنّما يسبّب ترتّب أحكام الطلاق الرجعي عليه دون أحكام طلاق الخلع.
وهذه الدعوى مقبولة، ولذلك لا يفسد أصل الطلاق فيما إذا تحقّق طلاق الخلع ثمّ رجعت الزوجة عن بذلها وإنّما يتبدّل الطلاق إلى طلاق رجعي، إلا إذا ثبت أنّ الزوج طلّقها مقيّداً بتحقّق البذل، كما أنّ الزوجة بذلت المال له مقيّداً بوقوع الطلاق.
غير أنّ الذي اختلف فيه الأعلام هو أنّ الزوج إذا حرم زوجته حقوقَها حتّى ترضى بطلاق الخلع، فهل يعدّ ذلك مصداقاً للإكراه على طلاق الخلع حتّى يسبّب فساد الطلاق خلعاً أم لا؟
المستفاد من كلمات المحقّق والشيخ أنّ هذا لا يوجب فساد طلاق الخلع مطلقاً، سواء كانت المحروميّة عن حقوقها المستحبّة أو الواجبة، وسواء كانت نيّته من الفعل أن تطالبه الزوجة بالخلع أم لا.
ولصاحب المسالك توضيح في هذا الشأن سنطرحه في الجلسة القادمة إن شاء الله.