بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ موارد لزوم حکم الحَکَمين

 

قلنا: إنّ الزوجين إذا غابا بعد الإذن للحَكَمين، فحُكم الحَكَمين نافذ فيهما بعد جريان الاستصحاب في بقاء الشقاق وبقاء رضاهما بالحَكَميّة.

فإن قيل: مع العلم ببقاء رضا الزوجين والشكّ في رجوعهما عن إذنهما السابق، يكون المورد من موارد تعارض الأصل وظاهر الحال، لأنّ ظاهر الحال فيما يغيب الزوجان قبل الحَكَميّة هو أنّهما لا يرضيان بالحَكَميّة.

فالجواب أوّلاً: يشكل وجود ظاهر الحال المذكور في جميع الموارد.

وثانياً: لو فرض وجود ظاهر الحال أيضاً، فبما أنّا أسلفنا أنّ تقديم ظاهر الحال على الأصل إنّما يكون في موارد تعيين المدّعي والمنكر في الدعاوي ولا نملك دليلاً عليه ـ أي: اعتبار ظاهر الحال وعدم اعتبار الأصل ـ في غيره، فلا إشكال في الأخذ باستصحاب بقاء رضا الزوجين وعدم رجوعهما عن إذنهما السابق.

 

قال المحقّق الحلّي: «مسألتان:

الأُولى: ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغاً وإلا كان لهما نقضه.»[1]

قال الشيخ في المبسوط: «إذا شرط الحكمان شرطاً نظر فيه؛ فإن كان ممّا يصلح لزومه في الشرع، لزم، وإن كان ممّا لا يلزم ـ مثل أن شرطا عليه ترك بعض النفقة أو القسم أو شرطا عليه ألا يسافر بها ـ فكلّ هذا لا يلزم الوفاء به، وإن اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلاً، وإن اختارا أن يطرحا فعلا.»[2]

ظاهر كلامه أنّه ليس للحَكَمين إلزام الزوجين إلا بما يلزمان به شرعاً، وإذا لم يلزمهما شيء شرعاً قبل حُكم الحَكَمين، فإنّه لا يلزمهما بُحكم الحَكَمين أيضاً.

غير أنّ هذا مشكل بأنّ الحكمين في هذه الصورة ليس لهما إلا بيان الحكم الشرعيّ وليس اختيار الحُكم في القضيّة الخارجيّة. على أنّه لا يوافق ما ورد في الأخبار من أنّ للحَكَمين التفريق، لأنّ التفرقة بين الزوجين ليست من الأُمور اللازمة شرعاً.

وقال الشهيد الثاني: «إذا شرط الحكمان شرطاً نظر فيه؛ فإن كان ممّا يصلح لزومه شرعاً لزم وإن لم يرض الزوجان، كما لو شرطا عليه أن يسكنها في البلد الفلاني أو المسكن المخصوص، أو لا يسكن معها في الدار أمة ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها الضرّة في دار واحدة، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحالّ‌ إلى أجل، أو تردّ عليه ما قبضته منه فرضاً ونحو ذلك، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» وقد جعل إليهما الحكم.

وإن كان غير مشروع ـ كما لو شرطا عليها ترك بعض حقّها من القسم أو النفقة أو المهر، أو عليه أن لا يتسرّى أو لا يتزوّج عليها أو لا يسافر بها ـ لم يلزم ذلك بلا خلاف.»[3]

والشهيد وإن كان قد طرح دعواه بمثل الشيخ إلا أنّه فرّق بين موارد الجواز وعدم الجواز بأنّه لا يحصل إلزام بغير المشروع في الموارد التي مثّل بها للموارد الجائزة، بينما يتحقّق الإلزام بغير المشروع في الموارد التي مثّل بها لغير الجائزة.

وأمّا ما طرحه تحت عنوان موارد الإلزام بغير المشروع فليست موارده صحيحة، إذ لو كان المراد منها أنّه لا إلزام من قبل الشارع في هذه الموارد وأنّ الإلزام بالحُكم يسبّب تضييق حقّ لم يضيّقه الشارع، فما الفرق في هذه الصورة بين الإلزام بترك حقّ كالقسم والنفقة والمهر، أو الإلزام بترك حقّ في استلام النفقة الحالّة؟

وإذا كان المراد أنّ هذه الأعمال من الأعمال غير الجائزة في حدّ ذاتها ولذلك لا يمكن الإلزام بها، فهذا مشكل بأنّ الموارد المذكورة في المثال ليست من هذا القسم أيّاً كانت.

وعليه فإنّ الحقّ في المسألة أن يقال: إذا كان ما يُلزم به الحَكَمان ممّا لا يجوز في حدّ نفسه ـ مثل الإلزام بفعل حرام أو ترك واجب ـ أو كان من الأُمور المنافية للجعل الشرعيّ ـ مثل نفي حقّ الزوج في النكاح ثانية ـ فإلزام الحَكَمين في هذه الصورة فاسد ولا يحتاج إلى النقض، وإنّما لا ينفذ لعدم مشروعيّته ولو رضي به الزوجان.

ولكن إذا كان من الأُمور الجائزة في حدّ نفسها ـ مثل تضييق حقّهما في إتيان عمل مباح ـ فحينئذٍ لا إشكال في الحُكم وينفذ.

نعم، من المعلوم أنّ تضييق الحقّ ذو مفسدة في حدّ نفسه، فالحكم المشتمل عليه ينبغي أن يؤمّن مصلحة تفوق أهمّيّتها على المفسدة الموجودة فيه.

ومن هنا أشكل صاحب الجواهر أيضاً في دعوى الشيخ وصاحب المسالك، بما سنتعرّض إلى بيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[1] ـ شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص283.
[2] ـ المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج4، ص341.
[3] ـ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج8، ص371.