46/06/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ المراد من الحکم باستمرار النکاح – صورة عدم توافق الحَکَمين
في سياق ما تقدّم في الجلسة السابقة من أنّ الحَكَمين إذا اتّفقا على الفرقة أجريا الطلاق مباشرة، يقول صاحب الجواهر: «إذا رأى حكم الرجل أن يطلّق بغير عوض، طلّق مستقلاً به، لأنّ حكم المرأة لا صنع له بالطلاق، ولا يزيد على واحدة، لكن إن راجع الزوج وداما على الشقاق زاد إلى أن يستوفي الطلقات الثلاث.
وإن رأي الخلع وساعده حكم المرأة تخالعا، وإن اختلفا وقف.»[1]
ولكنّ الذي ذكره بالنسبة إلى جواز طلاق حَكَم الزوج من دون موافقة حَكَم الزوجة فيما إذا لم يكن في الطلاق بذل، فهو مبنيّ على أن نعتبر الحَكَم وكيلاً، وإلا فلا دليل على نفوذ حُكم أحد الحَكَمين ولو في حقّ من بُعث من قِبَله، وهو لا يرى الحَكَم وكيلاً[2] ، على أنّ ذلك ينافي إطلاق موثّقة سماعة.
كما لا دليل على ما ذكره من أنّه إذا نشب الشقاق ثانيةً بعد الطلاق الذي أجراه حَكَم الزوج، فللحَكَم نفسه أن يجري صيغة الطلاق ثانية إلى أن تجري ثلاث طلقات، إذ بعد إجراء الحَكَم للطلاق تنتهي حَكَميّته ولم ينفذ منه حُكم آخر ما لم يُبعث للحَكَميّة ثانية ولم يرض بها الزوج.
النكتة الحادية عشرة: ما المراد باستمرار النكاح؟ هل يراد به أن يقول الحَكَمان للزوجين من دون أيّ إجراء: «استمرّا في النکاح» وهل يمكن في هذه الصورة أن يعتبر ذلك حُكماً لهما بمعنى أن لا يجوز بعدئذٍ للزوج أن يطلّق زوجته؟
تحقيقه أنّ المراد من الحكم باستمرار النكاح ليس مجرّد أن يقولا للزوج استمرّا في النکاح، وإنّما يراد به أن يحكم الحَكَمان ـ من خلال إيجاد حلّ لرفع النزاع من دون فكّ النكاح ـ على الزوجين في سبيل رفع النزاع أن يُعرضا عن بعض حقوقهما مثلاً أو يبذلا للآخر مالاً ليستمرّ النكاح. وعليه فإنّ الحكم باستمرار النكاح في الحقيقة حُكم بأُمور يرتجى استمرار النكاح بحصولها، وليس مجرّد الحكم بالاستمرار.
النكتة الثانية عشرة: إذا لم يتّفق الحَكَمان أو قدّما حلاً لم يرفع الشقاق، فما المفروض؟
قال صاحب الجواهر: «ان اختلف رأيهما بعث إليهما آخرين حتّى يجتمعا على شيء.»[3]
والحقّ ما ذهب إليه، ولكن إذا استيأسوا من حلّ النزاع بواسطة تدخّل أيّ حَكَمين، فعلى حاكم الشرع أن يتدخّل لحلّ القضيّة.
النكتة الثالثة عشرة: من هو مرجع الضمائر الواردة في ذيل قوله تعالى: (إِنْ يُرِيدٰا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا)؟
هذه المسألة وإن لم تترتّب عليها فائدة فقهيّة غير أنّ بحثها يساعد على فهم الآية الشريفة.
قال الفخر الرازي في هذا الشأن: «في قوله: (إِنْ يُرِيدَا) وجوه:
الأوّل: إن يرد الحكمان خيراً وإصلاحاً، يوفّق الله بين الحكمين حتّى يتّفقا على ما هو خير.
الثاني: إن يرد الحكمان إصلاحاً، يوفّق الله بين الزوجين.
الثالث: إن يرد الزوجان إصلاحاً، يوفق الله بين الزوجين.
الرابع: إن يرد الزوجان إصلاحاً، يوفق الله بين الحكمين حتّى يعملا بالصلاح.
ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل لكلّ هذه الوجوه.»[4]
ولكن الشيخ قال في التبيان: «الضمير في «بَيْنَهُمٰا» عائد على الحكمين، والمعنى: إن أرادا إصلاحاً في أمر الزوجين يوفّق الله بينهما؛ وبه قال ابن عبّاس، وسعيد بن جبير، والسدي.»[5]
وقال ابن عاشور فيه: «قوله تعالى: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً) الظاهر أنّه عائد إلى الحكمين، لأنّهما المسوق لهما الكلام، واقتصر على إرادة الإصلاح لأنّها التي يجب أن تكون المقصد لولاة الأُمور والحكمين، فواجب الحكمين أن ينظرا في أمر الزوجين نظراً منبعثاً عن نيّة الإصلاح، فإن تيسّر الإصلاح فذلك وإلا صارا إلى التفريق، وقد وعدهما الله بأن يوفّق بينهما إذا نويا الإصلاح. ومعنى التوفيق بينهما إرشادهما إلى مصادفة الحقّ والواقع، فإنّ الاتّفاق أطمن لهما في حكمهما بخلاف الاختلاف. وليس في الآية ما يدلّ على أنّ الله قصر الحكمين على إرادة الإصلاح حتّى يكون سنداً لتأويل أبي حنيفة أنّ الحكمين رسولان للإصلاح لا للتفريق، لأنّ الله تعالى ما زاد على أن أخبر بأنّ نيّة الإصلاح تكون سبباً في التوفيق بينهما في حكمهما، ولو فهم أحد غير هذا المعنى لكان متطوّحاً عن مفاد التركيب.»[6]
وسنذكر تتمّة كلام ابن عاشور في الجلسة القادمة إن شاء الله.