46/06/07
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ وظيفة الحَكَمين - لزوم اجتماع الحَكَمين على حكم واحد - حكم الحَكَمين بالطلاق
النكتة الثامنة: ما وظيفة الحَكَمين؟
قال الشهيد الثاني: «يجب على الحكمين الاجتهاد في النظر والبحث عن حالهما والسبب الباعث على الشقاق والتأليف بينهما ما أمكن...
ينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرّمة ليتعرّفا ما عندهما وما فيه رغبتهما. وإذا اجتمعا لم يُخف أحدهما على الآخر بما علم ليتمكّنا من الرأي الصواب، وينفذ حينئذٍ ما رأياه صواباً بشرطه.»[1]
الحقّ في المسألة أنّه يجب على الحَكَمين أن ينظرا إلى القضيّة كلّها ويأخذا الحلول التي يمكن رفع النزاع بها ويختارا أفضل الحلول.
أمّا قولهم: ينبغي للحَكَمين أن يأخذا صلاح الأمر بعين الاعتبار، فما المراد منه؟ وهل يراد به أنّه ينبغي لكلّ منهما أن يلاحظ مصلحة من بُعث من جانبه؟
فإن قلنا بأنّ الحَكَمين وكيلان لطرفي النزاع كان كذلك، إذ يجب على الوكيل أن يراعي مصلحة موكّله. ولكنّنا قلنا بأنّ المبعوثين قاضيان للتحكيم وليسا وكيلين، وعليه فينبغي لهما في مقام الحُكم أن يلحظا جميع المصالح، بل قد يلحظا مصلحةً لا تمسّ الزوجين مباشرة، مثل مصلحة الأولاد أو عوائل الطرفين. وعليه فعلى الرغم من وجوب ملاحظة مصلحة كلّ من الطرفين بعين الاعتبار من قبل كلا الحکمين ووجوب عدم الانحياز إلى الطرف الذي بُعث الحَكَم من قبله، غير أنّ مجرّد مصلحة الزوجين لا تكفي للحُكم، وإنّما ينبغي أخذهما لجميع الأُمور المتعلّقة باستمرار النكاح أو حصول الفرقة بين الزوجين، ثمّ اتّخاذ القرار في استمرار النكاح والإصلاح بين الزوجين أو الحُكم بفراقهما بناء على تقديم الأُمور وتأخيرها بحسب الأهمّيّة.
النكتة التاسعة: لزوم اجتماع الحَكَمين على حُكم واحد
الظاهر ممّا تقدّم من الأخبار أنّ نفوذ حُكم الحَكَمين ـ سواء حكما بالمصالحة واستمرار النكاح أو بالفراق ـ فهو متوقّف على اتّفاقهما على حكم واحد، وإذا اختلف الحَكَمان في ذلك، لم ينفذ حكم أيّ منهما، لأنّ الحُكم بالإصلاح والطلاق في جميع الأخبار المتقدّمة كان بصيغة التثنية.
على أنّه ورد في ذيل موثّقة سماعة: «قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: «قد فرّقت بينهما» وقال الآخر: «لم أُفرّق بينهما»؟ فقال: لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعاً على التفريق، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما.»[2] [3]
وهذه الرواية صريحة في عدم جواز التفريق إلا بإجماع الحَكَمين عليه.
وقد صرّح بذلك في كلمات ابن جنيد حيث قال: «يشترط الوالي أو المرضيّ بحكمه على الزوجين أنّ للمختارين جميعاً أن يفرّقا بينهما أو يجمعا إن رأيا ذلك صواباً.»[4]
النكتة العاشرة: إذ حَكَم الحَكَمان بالطلاق، فهل يُجريان الطلاق مباشرة، أم يجب بذلك على الزوج أن يطلّق زوجته؟
إذا قلنا بأنّ فعل الحَكَمين من باب الوكالة، فالأمر يتبع سعة دائرة الوكالة وضيقها، حيث إذا وكّلهما الزوج في ذلك أجريا الطلاق في صورة اعتباره من مصلحتهما، كما يجوز لهما بذل مال للزوج خلعاً فيما إذا وكّلتهما الزوجة بذلك.
ولكن إذا قلنا بأنّ الذي يصدر عن الحَكَمين إنّما هو من باب الحُكم وليس من باب الوكالة، فقد يُشكل بأنّهما لا يقدران في هذه الصورة على إجراء الطلاق باستقلال، لأنّ اختيار الطلاق بيد الزوج، والفرض أنّه لم يوكّلهما في ذلك.
غير أنّه يستفاد من الأخبار المتقدّمة أنّ الحَكَمين يُجريان الطلاق في صورة إحراز المصلحة، وبما أنّنا علمنا ممّا سبق أنّ الحَكَمين ليسا وكيلين وإنّما هما قاضيان للتحكيم، فقد يستفاد من الأخبار المذكورة أنّ طلاق الحاكم نافذ، وإذا امتنع الزوج من تطليق الزوجة ورأى الحاكم المصلحة في الطلاق، كان له أن يقدم على تطليقها مباشرة.
وكما ينبغي مراعاة المصلحة في أصل الحُكم بالطلاق، فينبغي ملاحظة جميع جوانب الأمر في تحديد نوع الطلاق أيضاً، فإذا كانت المصلحة في بذل مال إلى الزوج من قبل الزوجة وجريان الخُلع، فينبغي العمل بحسبها، وإذا كانت المصلحة في الطلاق الرجعي، كان ذلك.