بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ شرايط الحَکَمين

 

كان بحثنا حول الشروط المعتبرة في الحَكَمين.

وما يمكن الالتزام به في المسألة أنّه بما أنّنا قلنا بكون المبعوثَين بعد الاستئذان من الزوجين بمثابة قاضي التحكيم، فينبغي وجود شروط قاضي التحكيم فيهما.

قال السيّد الوالد في شروط قاضی التحکيم بعد ذكر أقوال الفقهاء في المسألة: «بعد ملاحظة الأقوال في المسألة وجدنا أنّ‌ القائلين بالاشتراط لم يقيموا دليلاً خاصّاً عليه؛ فإذن المهمّ‌ في المسألة أن يكون الحَكَم قادراً صالحاً للتحكيم وإقامة العدل، بمعنى أن يكون واجداً للصفات التي يحتاج فصل النزاع إليها، وهذا كما ترى يختلف باختلاف الدعاوي والأزمان والشرائط، ففي بعض الدعاوي يجب أن يكون المحكّم مجتهداً خبيراً، وفي كثير من الموارد لا يلزم ذلك، كما أنّه لا يلزم أن يكون الحكم رجلاً في كلّ‌ الأحوال، بل في بعضها يجب أن يكون رجلاً وفي بعضها أن يكون امرأة وفي بعضها لا هذا ولا ذاك. ويشهد لما قلناه موارد التحكيم في صدر الإسلام وبعده وأنّ‌ الناس ـ وفيهم المعصوم(ع) ـ يرجعون إلى من يصلح ويعتمد عليه وكانوا يلتزمون بقوله ويعملون على مدى نظره.»[1]

والحقّ ما ذهب إليه، غير أنّ من اللازم في أيّ حَكَميّة أن يتمّ التثبّت من عدم خروج الحَكَمين من جادّة الصواب وعدم تركهما للحقّ لأغراض وميول شخصيّة ـ وإليه يشير كلام ابن جنيد المتقدّم سابقاً الذي ورد فيه أنّه ينبغي أن لا يكون الحَكَم متّهماً بالانحياز إلى أيّ من الزوجين ـ ولكن لا يلزم من ذلك اشتراط العدالة بمعناها الخاصّ، وإنّما يكفي ثبوت عدالتهما في الحُكم.

ولذلك يمكن القول: لا يجب فيما نحن فيه أن يكون الحَكَمين العادلين ـ بالمعنى الخاصّ ـ ومجتهدين وحرّين ورجلين، بل يجب أن يكونا أوّلاً: ممّن يمكنه الاطّلاع على حال الزوجين، ممّا قد يؤيّده إشارة الآية الشريفة من أن يكون الحَكَمان من أهل الزوجين، وثانياً: أن يُطمئنّ بحُكمهما مطابقاً للحقّ والعدل وعدم انحيازهما.

غير أنّه بما أنّ الحَكَم ـ ولو بعد رضا طرفي النزاع ـ يُسلّط عليهما وينفذ حكمه فيهما، فيمكن الالتزام بحسب قاعدة نفي سلطة غير المسلم على المسلم أنّه إذا كان أحد الزوجين مسلماً، فيجب أن يكون الحَكَم مسلماً أيضاً، وأمّا إذا لم يكن الزوجان مسلمين، فلا دليل على وجوب كون الحَكَم مسلماً.

ولا يخلو من فائدة أن نشير إلى أنّ الشريف الرضي رأى فرقاً بين الحَكَم والحاكم، وقال: «لِمَ‌ لم يقل حاكماً بدل قوله حَكَماً؟ والجواب أنّه سبحانه إنّما سمّى المبعوثين من أهل الرجل والمرأة حَكَمين لنقصان تصرّفهما، ولو ملكا التصرّف من جميع الوجوه سمّاهما حاكمين. ألا ترى أنّ‌ من مذهب أهل العراق أنّه ليس للحكمين التفريق إلا بوكالة؟ وهو أحد قولي الشافعي، وهذا يدلّ‌ على نقصان تصرّفهما، فلذلك سمّيا حكمين. والعرب تسمّي الرجل حكماً إذا تنافر إليه الرجلان ففضّل أحدهما على صاحبه، وإنّما سمّي حكماً لأنّه ليس يتجاوز أن يعلّمهما أنّ‌ أحدهما أفضل من الآخر وليس هناك إلزام أمر ولا إمضاء حكم كما يفعل الحكّام، فلذلك لم يسمّ‌ حاكماً وهذا واضح بحمد الله.»[2]

غير أنّ مقالته لا توافق معنى اللغويّين لمفردة الحَكَم. حيث جاء في لسان العرب: «الحاكم: منفّذ الحُكم، والجمع حكّام، وهو الحَكَم.»[3]

وأمّا أن يستعمل الحَكَم والحاكم في عرف منطقة ما في زمان ما في معنيين، فهذا لا يدلّ على الوضع اللغوي.

نعم فرق بين الحَكَم والحاكم من منظور المصطلح الفقهي، وهو أنّ الحاكم هو الذي لا يحتاج في الحُكم إلى إذن طرفي النزاع ورضاهما ونفوذ حُكمه فيهما إنّما هو للولاية التي منحها له الشارع، ولكن نفوذ حُكم الحَكَم يحتاج إلى إذن الطرفين ورضاهما.

وعليه فيمكن اعتبار الوجه في ذكر الآية الشريفة لمفردة الحَكَم بدلاً من الحاكم أنّ الحاكم لا يحتاج إلى البعث، بل الشارع قد بعثه لحلّ المنازعات بين الناس، بينما الحَكَم لا ينفذ حُكمه ما لم يُبعث ولم يؤذن له في الحَكَميّة.

 


[1] ـ فقه القضاء، الموسوي الأردبيلي، السيد عبدالكريم، ج1، ص127.
[2] ـ حقائق التأويل، السيد الشريف الرضي، ج1، ص322.
[3] ـ لسان العرب، ابن منظور، ج12، ص142.