46/05/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ قبول حکم المبعوثين و الإقرار بنفوذ حکمهم
النكتة الخامسة: هل يجب على الزوجين القبول بالمبعوث للحَكَميّة والإقرار بأنّ حُكمه نافذ في نزاعهما؟
الظاهر من الأخبار المتقدّمة والتي جاء فيها أنّ الحَكَمين لا يحقّ لهما الحُكم بدون الاستئذان أنّ الزوجين مختاران في تحكيم الحَكَمين، ولا وجه لإلزامهما بذلك.
غير أنّه ورد في ذيل خبر عبيدة المارّ ذکره سابقاً: «...ثمّ قال(ع) للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن يُجمعا جمعتما وإن رأيتما أن يُفرّقا فرّقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله عليّ ولي. فقال الرجل: أمّا في الفرقة فلا. فقال عليّ(ع): ما تبرح حتّى تُقرّ بما أقرّت به.»[1] [2]
وظاهره أنّ الزوجين ملزمان بقبول حَكَميّة الحَكَمين.
وقد يفصّل في المسألة بناءً على هذه الرواية ويقال: إذا عُيّن الحَكَم من قبل حاكم الشرع، فإنّ نفاذ حكمه لا يحتاج إلى إذن الزوجين، وإن عيّنه غيره فإنّ نفوذ حُكمه يحتاج إذنهما.
ولكن خبر عبيدة لا يكون مستنداً لهذا التفصيل، إذ ورد فيه أخذ إقرارهما بالتمكين لحُكم الحَكَمين وأنّهما إذا أبيا أُلزما عليه، ولم يرد عدم الحاجة إلى إذن الزوجين في صورة جَعل الحَكَم من قبل حاكم الشرع. على أنّ الذي جَعل الحَكَمين في هذا الخبر لم يكن الإمام(ع) وإنّما الإمام(ع) أمر أهل الزوجين بجعل الحَكَم.
اللهمّ إلا أن يقال: مستند التفصيل أنّه كلّما جعل الحاكم حَكَماً فحُكم الحَكَم بمثابة حُكم الحاكم نفسه، ونفاذه لا يحتاج إلى إذن الطرفين.
وهذا وإن كان مقبولاً غير أنّه ليس عملاً بمفاد الآية، وإنّما تدخّلاً من الحاكم في القضيّة ورفعاً للنزاع بتدخّل مباشر منه، إذ قلنا: إنّ مفاد الآية بعثُ الحَكَم، وهو من يرضی طرفا النزاع حُكمَه، وليس من يحكم عليهما قهراً.
وعليه فينبغي أن يقال في توجيه خبر عبيدة ـ بغضّ النظر عن ضعفه سنداً ـ بأنّه كما تقدّم فإنّه يحكي قضيّة خارجيّة لا نعرف أوصافها، فقد يكون مراد الإمام(ع) أنّ الزوج إمّا أن يرضى بالحَكَميّة أو أنّ الإمام(ع) يتدخّل في القضيّة مباشرة ويحكم.
ثمّ إنّه لا يصحّ ما نسبه الشهيد الثاني إلى ابن الجنيد من أنّه قال بنفوذ تطليق الحَكَمين من دون إذن الزوجين[3] ، لأنّ ابن الجنيد يقول: «أُمر الرجل بأن يختار من أهله من لا يتّهم على المرأة ولا عليه، وكذلك تؤخذ المرأة بأن تختار من أهلها، ويشترط الوالي أو المرضيّ بحكمه على الزوجين أنّ للمختارين جميعاً أن يفرّقا بينهما أو يجمعا إن رأيا ذلك صواباً، وكذلك إن رأيا إيقاع شروط بينهما لا يردّها كتاب ولا سنّة ولا إجماع، وعلى كلّ واحد من الزوجين إنفاذ ذلك والرضا به، وأنّهما قد وكّلاهما في ذلك، ومهما فعلاه فهو جائز عليهما.»[4]
ومعلوم بناءً على مقالته أنّ الذي يُلزم به الزوجان هو اختيار الحَكَم وصريح كلامه أنّه على الزوجين أن يقرّا بقبول حُكم الحَكَمين. اللهمّ إلا أن يقال: إنّ الذي ذكره الشهيد الثاني مستفاد من أنّ ظاهر كلام ابن الجنيد هو إلزام الزوجين بالإقرار، لأنّه عبّر بقوله «على الزوجين» عن اشتراط رضاهما.
غير أنّه لا وجه لإلزام الزوجين باختيار الحَكَم كما لا يجب عليهما إعلان الرضا، ولا يعني إعلان رضا الزوجين توكليهما للحَكَمين.
وعليه فالزوجان مختاران في قبول الحَكَمين المعيّنين أو رفضهما، ولكن إذا لم يقبل أحدهما أو كلاهما بأصل الحَكَميّة، فيُحتمل أن يقال في هذه الصورة: يحكم الحاكم مستقلاً في نزاعهما ولا وجه للحَكَميّة بعدئذٍ، كما يحتمل أن يصبح إذن الحاكم للحَكَميّة حينئذٍ بديلاً لإذن من لم يقبله من باب أنّ «الحاكم وليّ الممتنع».