46/05/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / الشقاق/ المبعوث هل هو حَكَم أم وكيل عن الزوجين؟
قلنا سابقاً: إنّ دعوى المحقّق تختلف عن دعوى الشيخ في النهاية، والاختلاف يكمن في أنّ المحقّق ذهب في النافع إلى أنّ الأمر ببعث الحَكَم متوجّه أوّلاً إلى الزوجين وإذا امتنعا فإلى الحاكم، والحال أنّ ظاهر الآية غير ذلك، بل قلنا إنّها ظاهرة في أنّ الأمر متوجّه إلى عامّة المؤمنين الذين يعلمون بنشوب الخلاف والنزاع بينهما، غير أنّ إقدام الزوجين ـ لذات الجهة التي تقدّمت ـ لا ينافي ذلك، وإن لم يشملهما الأمر كما تقدّم.
بل يمكن القول بأنّ فرض الآية هو فيما إذا كان بين الزوجين شقاق، والشقاق كما تقدّم في معنى الآية بمعنى حالة النزاع التي لا سبيل إلى حلّها من دون تدخّل الآخرين، ولذلك إذا راجع الزوجان أنفسهما إلى الحَكَم لحلّ النزاع فالمورد يخرج عن مورد الآية تخصّصاً.
كما يتّضح بالنظر إلى ما سبق جواب إشكال صاحب الجواهر على بعث الحَكَم من قبل غير الحاكم أيضاً حيث قال في هذا الشأن: «قد يناقش بإمكان منع بعث الزوجين حكمين والأهلين على وجه يترتّب عليه إمضاء حكمهما عليهما بالصلح وإن لم يرضيا، بناءً على اختصاص الخطاب في الآية للحكّام، لعدم دليل حينئذٍ على ذلك، وكذا الكلام في العكس، وهذا ونحوه أحد ثمرات الخلاف في المسألة.»[1]
فالجواب ـ كما تقدّم في توضيح مفاد الأخبار السابقة ـ أنّ الذي يُبعَث حَكَماً يشترط قبل الحُكم على الزوجين أن ينفذ حكمه في حقّهما أيّاً كان، فيكون حُكمُه حكمَ قاضي التحكيم الذي لا يحتاج نفوذه إلى البعث من قبل حاكم الشرع.
النكتة الرابعة: المبعوث هل هو حَكَم أم وكيل عن الزوجين؟
قال الشيخ في المبسوط: «الذي يقتضيه مذهبنا أنّ ذلك حُكم، لأنّهم رووا أنّ لهما الإصلاح من غير استيذان، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد أن يستاذناهما، ولو كان توكيلاً لكان ذلك تابعاً للوكالة وبحسب شرطهما.»[2]
غير أنّه ليس في الأخبار أنّ الحَكَمين إذا أمرا بالإصلاح من دون استئذان فيجب طاعتهما على الزوجين. نعم، ورد في بعض الأخبار أنّ الحَكَمين ما لم يستأذنا فلا يحقّ لهما الأمر بالفراق، ولكن ليس مفهومها أنّهما يمكنهما الأمر بالمصالحة من دون استئذان، بل ورد في أخبار أُخر أنّ الحَكَمين ينبغي لهما الاستئذان قبل أيّ حُكم، سواء بالمصالحة أو بالفرقة.
ونُقل عن ابن البرّاج في كتاب الكامل أنّه قال: «إنّ بعثهما على سبيل التوكيل، لأنّ البضع حقّ الزوج والمال حقّ المرأة، فليس لأحد الحكمين أن يتصرّف فيه إلا بولاية عليهما أو وكالة عنهما، وهما رشيدان، فلم يكونا إلا وكيلين.»[3]
ولكنّه ادّعى في المهذّب على غرار دعوى الشيخ في المبسوط أنّ حُكم الحَكَمين من باب التحكيم.[4]
ويُعلم الجواب عن دعواه في كتاب الكامل أيضاً بالنظر إلى ما تقدّم، إذ لا وجه لعدم جواز حُكم الحَكَمين لصالح الزوجين أو عليهما بعد استئذان الحَكَمين من الزوجين للحُكم وجريان قواعد التحكيم.
فعُلم أنّ الحكمين بعد الاستئذان يعيّنان قاضيين للتحكيم من قبل الزوجين، ولذلك فإنّ بعثهما من باب التحكيم وليس من باب الوكالة، بل لا معنى أساساً لأن يحكم الوكيل من باب الوكالة لصالح الموكّل أو عليه وينفذ حكمه في حقّ موكّله، وإنّما للوكيل أن يقوم بفعل من قبل الموكّل وينبغي عليه في ذلك مراعاة غبطة موكّله.